الأعمش، عن عمرو بن مُرَّة، عن أبي هُبَيْرة (?) قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا دَخَلَ الدَّارَ اسْتَأْنَسَ -تَكَلَّمَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ.
[وَ] (?) قَالَ مُجَاهِدٌ: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} قَالَ: تَنَحْنَحُوا -أَوْ (?) تَنَخَّموا.
وَعَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَتَنَحْنَحَ، أَوْ يُحَرِّكَ نَعْلَيْهِ.
وَلِهَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أهلَه طُروقًا -وَفِي رِوَايَة: لَيْلًا يَتَخوَّنهم (?) .
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَهَارًا، فَأَنَاخَ بِظَاهِرِهَا، وَقَالَ: "انْتَظِرُوا حَتَّى تَدْخُلَ عَشَاءٌ -يَعْنِي: آخِرَ النَّهَارِ -حَتَّى تَمْتَشِطَ الشَّعثَة وَتَسْتَحِدَّ المُغَيبة" (?) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حدَّثنا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ (?) بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ السَّائِبِ، حدَّثني أَبُو سَوْرة ابْنِ أَخِي أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا السَّلَامُ، فَمَا الِاسْتِئْنَاسُ؟ قَالَ: "يَتَكَلَّمُ الرَّجُلُ بِتَسْبِيحَةٍ وَتَكْبِيرَةٍ وَتَحْمِيدَةٍ، وَيَتَنَحْنَحُ فَيؤذنُ أَهْلَ الْبَيْتِ". هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ (?) .
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} قَالَ: هُوَ الِاسْتِئْذَانُ. [قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ: الِاسْتِئْذَانُ] (?) ثَلَاثٌ، فَمَنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِنَّ، فَلْيَرْجِعْ. أَمَّا الْأُولَى: فَلْيُسْمِعِ (?) الْحَيَّ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَإِنْ شَاءُوا أَذِنُوا وَإِنْ شَاءُوا رَدّوا. وَلَا تَقِفَنَّ عَلَى بَابِ قَوْمٍ رَدُّوكَ عَنْ بَابِهِمْ؛ فَإِنَّ لِلنَّاسِ حَاجَاتٍ وَلَهُمْ أَشْغَالٌ، وَاللَّهُ أَوْلَى بِالْعُذْرِ.
وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حيَّان فِي قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا لَقِيَ صَاحِبَهُ، لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ: حُيِّيتَ صَبَاحًا وَحُيِّيتَ مَسَاءً، وَكَانَ ذَلِكَ تَحِيَّةَ الْقَوْمِ بَيْنَهُمْ. وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَنْطَلِقُ إِلَى صَاحِبِهِ فَلَا يَسْتَأْذِنُ حَتَّى يَقْتَحِمَ، وَيَقُولَ: "قَدْ دخلتُ". فَيَشُقُّ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ، وَلَعَلَّهُ يَكُونُ مَعَ أَهْلِهِ، فغَيَّر اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ، فِي سَتْرٍ وَعِفَّةِ، وَجَعَلَهُ نَقْيًّا نَزِهًا مِنَ الدَّنَسِ وَالْقَذِرِ والدرَن، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} .