{أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) } .
هَذَا تَقْرِيعٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَهْلِ النَّارِ، وَتَوْبِيخٌ لَهُمْ عَلَى مَا ارْتَكَبُوا مِنَ الْكَفْرِ وَالْمَآثِمِ وَالْمَحَارِمِ وَالْعَظَائِمِ، الَّتِي أَوْبَقَتْهُمْ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} أَيْ: قَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمُ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلْتُ الْكُتُبَ، وَأَزَلْتُ (?) شُبَهكم، وَلَمْ يَبْقَ لَكُمْ حُجَّةٌ تُدْلُونَ بِهَا كَمَا قَالَ: {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النِّسَاءِ: 165] ، وَقَالَ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الْإِسْرَاءِ: 15] ، وَقَالَ: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نزلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ. وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ. فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحَابِ السَّعِيرِ} [الْمُلْكِ: 8-11] ، وَلِهَذَا قَالُوا: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ} أَيْ: قَدْ قَامَتْ عَلَيْنَا الْحُجَّةُ، وَلَكِنْ كُنَّا أَشْقَى مِنْ أَنْ نَنْقَادَ لَهَا وَنَتَّبِعَهَا، فَضَلَلْنَا عَنْهَا وَلَمْ نُرْزَقْهَا.
ثُمَّ قَالُوا: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} أَيْ: رُدَّنا إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا، فَإِنْ عُدْنَا إِلَى مَا سَلَفَ مِنَّا، فَنَحْنُ ظَالِمُونَ مُسْتَحِقُّونَ لِلْعُقُوبَةِ، كَمَا قَالُوا: {فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ. ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غَافِرٍ: 11، 12] أَيْ: لَا سَبِيلَ إِلَى الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ بِاللَّهِ إِذَا وَحَّدَهُ الْمُؤْمِنُونَ.
{قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111) } .
هَذَا جَوَابٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْكُفَّارِ إِذَا سَأَلُوا الْخُرُوجَ مِنَ النَّارِ وَالرَّجْعَةَ إِلَى هَذِهِ الدَّارِ (?) ، يَقُولُ: {اخْسَئُوا فِيهَا} أَيِ: امْكُثُوا فِيهَا صَاغِرِينَ مُهانين أَذِلَّاءَ. {وَلا تُكَلِّمُونِ} أَيْ: لَا تَعُودُوا إِلَى سُؤَالِكُمْ هَذَا، فَإِنَّهُ لا جواب لكم عندي.