61

وَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} ، ذَكَرَ (?) مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي سَرِيَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، لَقُوا جَمْعًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي شَهْرِ مُحَرَّمٍ، فَنَاشَدَهُمُ الْمُسْلِمُونَ لِئَلَّا يُقَاتِلُوهُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَأَبَى الْمُشْرِكُونَ إِلَّا قِتَالَهُمْ وَبَغَوْا عَلَيْهِمْ، فَقَاتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَنَصَرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، [وَ] (?) {إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) } .

يَقُولُ تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى أَنَّهُ الْخَالِقُ الْمُتَصَرِّفُ فِي خَلْقِهِ بِمَا يَشَاءُ، كَمَا قَالَ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنزعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ [وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ] (?) } [آلِ عِمْرَانَ: 26، 27] وَمَعْنَى إِيلَاجِهِ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ، وَالنَّهَارَ فِي اللَّيْلِ: إِدْخَالُهُ مِنْ هَذَا فِي هَذَا، وَمِنْ هَذَا فِي هَذَا، فَتَارَةً يُطَوِّلُ اللَّيْلَ وَيُقَصِّرُ النَّهَارَ، كَمَا فِي الشِّتَاءِ، وَتَارَةً يُطَوِّلُ النَّهَارَ وَيُقَصِّرُ اللَّيْلَ، كَمَا فِي الصَّيْفِ.

وَقَوْلُهُ: {وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} أَيْ: سَمِيعٌ بِأَقْوَالِ عِبَادِهِ، بَصِيرٌ بِهِمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ فِي أَحْوَالِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ.

وَلَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْوُجُودِ، الْحَاكِمُ الَّذِي لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، قَالَ: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} أَيِ: الْإِلَهُ الْحَقُّ الَّذِي لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ؛ لِأَنَّهُ ذُو السُّلْطَانِ الْعَظِيمِ، الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَقِيرٌ إِلَيْهِ، ذَلِيلٌ لَدَيْهِ، {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} أَيْ: مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ وَالْأَوْثَانِ، وَكُلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا.

وَقَوْلُهُ: {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} ، كَمَا قَالَ: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [الْبَقَرَةِ: 255] ، وَقَالَ: {الْكَبِيرُ (?) الْمُتَعَالِ} [الرَّعْدِ: 9] فَكُلُّ شَيْءٍ تَحْتَ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ وَعَظْمَتِهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا أَعْظَمَ مِنْهُ، الْعَلِيُّ الَّذِي لَا أَعْلَى مِنْهُ، الْكَبِيرُ الَّذِي لَا أَكْبَرَ مِنْهُ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ، وَعَزَّ وَجَلَّ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ [الْمُعْتَدُونَ] (?) عُلُوًّا كَبِيرًا.

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) }

طور بواسطة نورين ميديا © 2015