وَيَشْتَمِلُ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ الَّذِي هُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَيْامِ عِنْدَ اللَّهِ (?) .
وَبِالْجُمْلَةِ، فَهَذَا الْعَشْرُ قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ أَفْضَلُ أَيْامِ السَّنَةِ، كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ، فَفَضَّلَهُ كَثِيرٌ عَلَى عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُشْرَعُ فِيهِ مَا يُشْرَعُ فِي ذَلِكَ، مِنْ صِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِهِ، وَيَمْتَازُ هَذَا بِاخْتِصَاصِهِ بِأَدَاءِ فَرْضَ الْحَجِّ فِيهِ.
وَقِيلَ: ذَاكَ أَفْضَلُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ، الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.
وَتَوَسَّطَ آخَرُونَ فَقَالُوا: أَيْامُ هَذَا أَفْضَلُ، وَلَيَالِي ذَاكَ أَفْضَلُ. وَبِهَذَا يَجْتَمِعُ شَمْلُ الْأَدِلَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلٌ ثَانٍ فِي الْأَيْامِ الْمَعْلُومَاتِ: قَالَ الْحَكَمُ، عَنْ مِقْسَم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْأَيْامُ الْمَعْلُومَاتُ: يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيْامٍ بَعْدَهُ. وَيُرْوَى هَذَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعي، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ.
قَوْلٌ ثَالِثٌ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا علي بن الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَجْلان، حَدَّثَنِي نَافِعٌ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: الْأَيْامُ الْمَعْلُومَاتُ وَالْمَعْدُودَاتُ هُنَّ جَمِيعُهُنَّ أَرْبَعَةُ أَيْامٍ، فَالْأَيْامُ الْمَعْلُومَاتُ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ، وَالْأَيْامُ الْمَعْدُودَاتُ ثَلَاثَةُ أَيْامِ يَوْمِ النَّحْرِ.
هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَيْهِ، وَقَالَهُ (?) السُّدِّيُّ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَيُعَضِّدُ هَذَا الْقَوْلَ وَالَّذِي قَبْلَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ} يَعْنِي بِهِ: ذِكْرَ اللَّهِ عِنْدَ ذَبْحِهَا.
قَوْلٌ رَابِعٌ: إِنَّهَا يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمٌ آخَرُ بَعْدَهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي (?) ابْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: الْمَعْلُومَاتُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيْامُ التَّشْرِيقِ.
وَقَوْلُهُ: {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ} يَعْنِي: الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ، كَمَا فَصَّلَهَا تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَأَنَّهَا {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} الْآيَةَ [الْأَنْعَامِ: 143] .
وَقَوْلُهُ {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ الْأَكْلِ مِنَ الْأَضَاحِيِّ وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الرُّخْصَةِ أَوِ الِاسْتِحْبَابِ، كَمَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَحَرَ هَدْيَهُ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَتُطْبَخُ، فَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهَا، وَحَسَا مِنْ مَرَقِهَا (?) .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: [قَالَ لِي مَالِكٌ: أُحِبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {فَكُلُوا مِنْهَا} : قَالَ ابْنُ وَهْبٍ] (?) وَسَأَلْتُ اللَّيْثَ، فَقَالَ لي مثل ذلك.