{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (?) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (?) } .
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى الْمُخَالِفَ لِلْبَعْثِ، الْمُنْكِرَ لِلْمَعَادِ، ذَكَرَ تَعَالَى الدَّلِيلَ عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى عَلَى الْمَعَادِ، بِمَا يُشَاهَدُ مِنْ بَدْئِهِ لِلْخَلْقِ (?) ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} أَيْ: فِي شَكٍّ {مِنَ الْبَعْثِ} وَهُوَ الْمَعَادُ وَقِيَامُ الْأَرْوَاحِ وَالْأَجْسَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} أَيْ: أَصْلُ بَرْئه (?) لَكُمْ مِنْ تُرَابٍ، وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْهُ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} أَيْ: ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ} ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا اسْتَقَرَّتِ النُّطْفَةُ فِي رَحِمِ الْمَرْأَةِ، مَكَثَتْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا كَذَلِكَ، يُضَافُ إِلَيْهِ مَا يَجْتَمِعُ إِلَيْهَا، ثُمَّ تَنْقَلِبُ عَلَقَةً حَمْرَاءَ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَتَمْكُثُ كَذَلِكَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ تَسْتَحِيلُ فَتَصِيرُ مُضْغَةً -قِطْعَةً مِنْ لَحْمٍ لَا شَكْلَ فِيهَا وَلَا تَخْطِيطَ-ثُمَّ يُشْرَعُ فِي التَّشْكِيلِ وَالتَّخْطِيطِ، فَيُصَوَّرُ مِنْهَا رَأْسٌ وَيَدَانِ، وَصَدْرٌ وَبَطْنٌ، وَفَخْذَانِ وَرِجْلَانِ، وَسَائِرُ الْأَعْضَاءِ. فَتَارَةً تُسقطها الْمَرْأَةُ قَبْلَ التَّشْكِيلِ وَالتَّخْطِيطِ، وَتَارَةً تُلْقِيهَا وَقَدْ صَارَتْ ذَاتَ شَكْلٍ وَتَخْطِيطٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} أَيْ: كَمَا تُشَاهِدُونَهَا، {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أَيْ: وَتَارَةً تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِمِ لَا تُلْقِيهَا الْمَرْأَةُ وَلَا تُسْقِطُهَا، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} قَالَ: هُوَ السَّقْطُ مَخْلُوقٌ وَغَيْرُ مَخْلُوقٍ. فَإِذَا مَضَى عَلَيْهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَهِيَ مُضْغَةٌ، أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهَا مَلَكًا فَنَفَخَ (?) فِيهَا الرَّوْحَ، وَسَوَّاهَا كَمَا يَشَاءُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (?) ، مِنْ حَسَنٍ وَقَبِيحٍ، وَذَكَرٍ وَأَنْثَى، وَكَتَبَ رِزْقَهَا وَأَجَلَهَا، وَشِقِّيٌ أَوْ سَعِيدٌ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ-:"إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجمع فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضغة مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ الْمَلَكَ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلَمَّاتٍ: بِكَتْبِ عَمَلِهِ وَأَجَلِهِ وَرِزْقِهِ، وَشَقِّيٌ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ" (?) .
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ علقمة، عن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: النُّطْفَةُ إِذَا اسْتَقَرَّتْ فِي الرَّحِمِ، أَخَذَهَا (?) مَلَكٌ بِكَفِّهِ قَالَ (?) : يَا رَبِّ، مخلقة أو غير