وَهَكَذَا قَالَ شُرَيح، ومُرَّة، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زِيَادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلَانِ إِلَى شُرَيح، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إِنَّ شَاةَ هَذَا قَطَعَتْ غَزَلًا لِي، فَقَالَ شُرَيْحٌ: نَهَارًا أَمْ لَيْلًا؟ فَإِنْ كَانَ نَهَارًا فَقَدْ بَرِئَ صَاحِبُ الشَّاةِ، وَإِنْ كَانَ لَيْلًا ضَمِن، ثُمَّ قَرَأَ: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ} الْآيَةَ.

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شُرَيح شَبِيهٌ بِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَرام بْنِ مُحَيْصة (?) ؛ أَنَّ نَاقَةَ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطًا، فَأَفْسَدَتْ فِيهِ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَمَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا (?) . وَقَدْ عُلِّل هَذَا الْحَدِيثُ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ "الْأَحْكَامِ" وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وَقَوْلُهُ: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:

حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ؛ أَنَّ إِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ لَمَّا اسْتَقْضَى أَتَاهُ الْحَسَنُ فَبَكَى، قَالَ (?) مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ (?) يَا أَبَا سَعِيدٍ، بَلَغَنِي أَنَّ الْقُضَاةَ: رَجُلٌ اجْتَهَدَ فَأَخَطَأَ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ مَالَ بِهِ الْهَوَى فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ اجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ. فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنَّ فِيمَا قَصَّ اللَّهُ مَنْ نَبَأِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَالْأَنْبِيَاءِ حُكْمًا يَرُدُّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ النَّاسِ عَنْ قَوْلِهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} فَأَثْنَى اللَّهُ عَلَى سُلَيْمَانَ وَلَمْ يَذُمَّ دَاوُدَ. ثُمَّ قَالَ -يَعْنِي: الْحَسَنَ-: إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ عَلَى الْحُكَمَاءِ ثَلَاثًا: لَا يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا وَلَا يَتَّبِعُونَ فِيهِ الْهَوَى، وَلَا يَخْشَوْنَ فِيهِ أَحَدًا، ثُمَّ تَلَا {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (?) ] } [ص:26] وَقَالَ: {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [الْمَائِدَةِ:44] ، وَقَالَ {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا} [الْمَائِدَةِ:44] .

قُلْتُ: أَمَّا الْأَنْبِيَاءُ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَكُلُّهُمْ مَعْصُومُونَ مُؤيَّدون مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ (?) فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أجران،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015