{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزُّخْرُفِ: 44] .
وَقَوْلُهُ: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} هَذِهِ صِيغَةُ تَكْثِيرٍ، كَمَا قَالَ {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ} [الْإِسْرَاءِ: 17] .
وَقَالَ تَعَالَى: {فَكَأَيِّنْ (?) مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الْحَجِّ:45] . وَقَوْلُهُ: {وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ} أَيْ: أُمَّةً أُخْرَى بَعْدَهُمْ.
{فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا} أَيْ: تَيَقَّنُوا أَنَّ الْعَذَابَ وَاقِعٌ (?) بِهِمْ، كَمَا وَعَدَهُمْ نَبِيُّهُمْ، {إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ} أَيْ: يَفِرُّونَ هَارِبِينَ.
{لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ} هَذَا تَهَكُّمٌ بِهِمْ قَدَرًا أَيْ: قِيلَ لَهُمْ قَدَرًا: لَا تَرْكُضُوا هَارِبِينَ مِنْ نُزُولِ الْعَذَابِ، وَارْجِعُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ وَالسُّرُورِ، وَالْمَعِيشَةِ وَالْمَسَاكِنِ الطَّيِّبَةِ.
قَالَ قَتَادَةُ: اسْتِهْزَاءٌ بِهِمْ.
{لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} أَيْ: عَمَّا كُنْتُمْ فِيهِ مِنْ أَدَاءِ شُكْرِ النِّعْمَةِ.
{قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ حِينَ لَا يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ، {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} أَيْ: مَا (?) زَالَتْ تِلْكَ الْمَقَالَةُ، وَهِيَ الِاعْتِرَافُ بِالظُّلْمِ، هِجيراهم حَتَّى حَصَدْنَاهُمْ حَصْدًا (?) وَخَمَدَتْ حَرَكَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُهُمْ خُمُودًا.
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) } .
يخبر تعالى أنه خلق السموات وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، أَيْ: بِالْعَدْلِ وَالْقِسْطِ، {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النَّجْمِ:31] ، وَأَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ ذَلِكَ عَبَثًا وَلَا لَعِبًا، كَمَا قَالَ: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ (?) وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص:27]
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} يَعْنِي: مِنْ عِنْدِنَا، يَقُولُ: وَمَا خَلَقْنَا جَنَّةً وَلَا نَارًا، وَلَا مَوْتًا، وَلَا بَعْثًا، وَلَا حِسَابًا.
وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمَا: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا} اللهو: المرأة بلسان أهل اليمن.