131

وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ} أَيْ: مِنْ سَاعَاتِهِ فَتَهَجَّدْ بِهِ. وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ، {وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} فِي مُقَابَلَةِ آنَاءِ اللَّيْلِ، {لَعَلَّكَ تَرْضَى} كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضُّحَى: 5] .

وَفِي الصَّحِيحِ: " يَقُولُ اللَّهُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ. فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ؟ فَيَقُولُ: إِنِّي أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. فَيَقُولُونَ: وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا " (?) .

وَفِي الْحَدِيثِ [الْآخَرِ] (?) يُقَالُ: " يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، إِنَّ لَكُمْ (?) عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجزكُمُوه. فَيَقُولُونَ: وَمَا هُوَ؟ أَلَمْ يُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَيُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا وَيُزَحْزِحْنَا عَنِ النَّارِ، وَيُدْخِلْنَا (?) الْجَنَّةَ؟ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمْ خَيْرًا مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ، وَهِيَ (?) الزِّيَادَةُ " (?) .

{وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) }

يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: لَا تَنْظُرْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُتْرَفِينَ (?) وَأَشْبَاهِهِمْ وَنُظَرَائِهِمْ، وَمَا فِيهِ مِنَ النِّعَمِ (?) فَإِنَّمَا هُوَ زَهْرَةٌ زَائِلَةٌ، وَنِعْمَةٌ حَائِلَةٌ، لِنَخْتَبِرَهُمْ بِذَلِكَ، وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} يَعْنِي: الْأَغْنِيَاءَ فَقَدْ آتَاكَ [اللَّهُ] (?) خَيْرًا مِمَّا آتَاهُمْ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ * لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [الْحِجْرِ: 87، 88] ، وَكَذَلِكَ (?) مَا ادَّخَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ أَمْرٌ عَظِيمٌ لَا يُحَدّ وَلَا يُوصَفُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضُّحَى: 5] وَلِهَذَا قَالَ: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} .

وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي تِلْكَ الْمَشْرُبَةِ الَّتِي كَانَ قَدِ اعْتَزَلَ فِيهَا نِسَاءَهُ، حِينَ آلَى مِنْهُمْ فَرَآهُ مُتَوَسِّدًا مُضْطَجِعًا عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ إِلَّا صُبْرَة مِنْ قَرَظ، وأهَب (?) مُعَلَّقَةٌ، فَابْتَدَرَتْ عَيْنَا عُمَرَ بِالْبُكَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " مَا يبكيك (?) ؟ ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015