وَالْحَاصِلُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ أَنَّ دَعْوَتَهُمَا لَهُ تَكُونُ بِكَلَامٍ رَقِيقٍ لَيِّنٍ قَرِيبٍ سَهْلٍ، لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ وَأَبْلَغَ وَأَنْجَعَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} الْآيَةَ [النَّحْلِ: 125] .
[قَوْلُهُ] (?) {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} أَيْ: لَعَلَّهُ يَرْجِعُ عَمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الضَّلَالِ وَالْهَلَكَةِ، {أَوْ يَخْشَى} أَيْ: يُوجد طَاعَةً مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
{لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ يَخْشَى} (?) فَالتَّذَكُّرُ: الرُّجُوعُ عَنِ الْمَحْذُورِ، وَالْخَشْيَةُ: تَحْصِيلُ الطَّاعَةِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ [فِي قَوْلِهِ] (?) {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} يَقُولُ: لَا تَقُلْ أَنْتَ يَا مُوسَى وَأَخُوكَ هَارُونُ: أهْلكْه قَبْلَ أَنْ أَعْذُرَ (?) إِلَيْهِ.
وَهَاهُنَا نَذْكُرُ شِعْرَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَيُرْوَى لأمَيّة بْنِ أَبِي الصَّلْت فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ:
وَأَنْتَ الَّذِي مِنْ فَضْلِ مَنٍّ وَرَحْمَةٍ ... بَعَثْتَ إِلَى مُوسَى رَسُولًا مُنَادِيًا ...
فَقُلْتَ لَهُ يَا اذْهَبْ وهارون فادعُوَا ... إلى الله فرعون الذي كان بَاغِيَا ...
فَقُولَا لَهُ هَلْ أَنْتَ سَوَّيْتَ هَذِهِ ... بِلَا وَتَدٍ حَتَّى اسْتَقَلَّتْ كَمَا هِيَا ...
وُقُولَا له أأنت رَفَّعت هذه ... بلا عمد? أرفق إِذَنْ بِكَ بَانِيَا ...
وَقُولَا لَهُ آأَنْتَ سَوَّيْتَ وَسْطَهَا ... مُنِيرًا إِذَا مَا جَنَّه اللَّيْلُ هَادِيَا ...
وَقُولَا لَهُ مَنْ يُخْرِجُ الشَّمْسَ بُكْرَةً ... فَيُصْبِحُ مَا مَسَّتْ مِنَ الْأَرْضِ ضَاحِيَا ...
وَقُولَا لَهُ مَنْ يُنْبِتُ الْحَبَّ فِي الثَّرَى ... فَيُصْبِحُ مِنْهُ الْبَقْلُ يَهْتَزُّ رَابِيَا ...
وَيُخْرِجُ مِنْهُ حَبَّهُ فِي رُءُوسِهِ (?) فَفِي ذَاكَ آيَاتٌ لِمَنْ كَانَ وَاعِيَا (?)
{قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) }
يَقُولُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ مُوسَى وَهَارُونَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، أنهما قالا مستجيرين بالله تعالى شاكيَيْن