وَهَارِبًا، فَادْعُهُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَمُرْهُ فَلْيُحْسِن إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا يُعَذِّبْهُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ طَغَى وبَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَنَسِيَ الرَّبَّ الْأَعْلَى.
قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّه: قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى: انْطَلِقْ بِرِسَالَتِي فَإِنَّكَ بِعَيْنِي وَسَمْعِي، وَإِنِّي (?) مَعَكَ أَيْدِي ونَصْري، وَإِنِّي قَدْ أَلْبَسْتُكَ جُنَّةً مِنْ سُلْطَانِي لِتَسْتَكْمِلَ بِهَا الْقُوَّةَ فِي أَمْرِي، فَأَنْتَ جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْ جُنْدِي، بَعَثْتُكَ إِلَى خَلْقٍ ضَعِيفٍ مِنْ خَلْقِي، بَطَرَ نِعْمَتِي، وَأَمِنَ مَكْرِي، وَغَرَّتْهُ الدُّنْيَا عَنِّي، حَتَّى جَحَدَ حَقِّي، وَأَنْكَرَ رُبُوبِيَّتِي، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُنِي، فَإِنِّي أُقْسِمُ بِعِزَّتِي لَوْلَا الْقَدَرُ الَّذِي وَضَعْتُ بَيْنِي وَبَيْنَ خَلْقِي، لَبَطَشْتُ به بطشة جبار، يغضب لغضبه السموات وَالْأَرْضُ، وَالْجِبَالُ وَالْبِحَارُ، فَإِنْ أَمَرْتُ السَّمَاءَ حَصَبَتْهُ، وَإِنْ أَمَرْتُ الْأَرْضَ ابْتَلَعَتْهُ، وَإِنْ أَمَرْتُ الْجِبَالَ دَمَّرَتْهُ، وَإِنْ أَمَرْتُ الْبِحَارَ غَرَّقَتْهُ، وَلَكِنَّهُ هَانَ عَلَيَّ، وَسَقَطَ مِنْ عَيْنِي، وَوَسِعَهُ حِلْمِي، وَاسْتَغْنَيْتُ بِمَا عِنْدِي، وَحَقِّي إِنِّي أَنَا الْغَنِيُّ لَا غَنِيَّ غَيْرِي، فَبَلِّغْهُ رِسَالَتِي، وَادْعُهُ إِلَى عِبَادَتِي وَتَوْحِيدِي وَإِخْلَاصِي، وَذَكِّرْهُ أَيَّامِي (?) وَحَذِّرْهُ نِقْمَتِي وَبَأْسِي، وَأَخْبِرْهُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ شَيْءٌ لِغَضَبِي، وَقُلْ لَهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى، وخَبّره (?) أَنِّي إِلَى الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ أَسْرَعُ مِنِّي إِلَى الْغَضَبِ وَالْعُقُوبَةِ، وَلَا يُرَوِّعَنَّكَ مَا أَلْبَسْتُهُ مِنْ لِبَاسِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ نَاصِيَتَهُ بِيَدِي، لَيْسَ يَنْطِقُ وَلَا يَطْرِفُ وَلَا يَتَنَفَّسُ إِلَّا بِإِذْنِي، وَقُلْ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ فَإِنَّهُ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ، وَقَدْ أَمْهَلَكَ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ، فِي كُلِّهَا أَنْتَ مُبَارِزُهُ بِالْمُحَارَبَةِ، تَسُبُّهُ وَتَتَمَثَّلُ بِهِ وَتَصُدُّ عِبَادَهُ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ يُمْطِرُ عَلَيْكَ السَّمَاءَ، وَيُنْبِتُ لَكَ الْأَرْضَ، [و] (?) لَمْ تَسْقَمْ وَلَمْ تَهْرَمْ وَلَمْ تَفْتَقِرْ [وَلَمْ تُغْلَبْ] (?) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يعَجِّل لَكَ الْعُقُوبَةَ لَفَعَلَ، وَلَكِنَّهُ ذُو أَنَاةٍ وَحِلْمٍ عَظِيمٍ. وَجَاهِدْهُ بِنَفْسِكَ وَأَخِيكَ وَأَنْتُمَا تَحْتَسِبَانِ بِجِهَادِهِ (?) فَإِنِّي لَوْ شِئْتُ أَنْ آتِيهُ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُ بِهَا لَفَعَلْتُ، وَلَكِنْ لِيَعْلَمَ هَذَا الْعَبْدُ الضَّعِيفُ الَّذِي قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ وَجُمُوعُهُ أَنَّ الْفِئَةَ الْقَلِيلَةَ -وَلَا قَلِيلَ مِنِّي-تَغْلِبُ الْفِئَةَ الْكَثِيرَةَ بِإِذْنِي، وَلَا تُعْجِبَنَّكُمَا (?) زِينَتُهُ، وَلَا مَا مَتّع بِهِ، وَلَا تَمُدَّا إِلَى ذَلِكَ أَعْيُنُكُمَا، فَإِنَّهَا زَهْرُ (?) الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَزِينَةُ الْمُتْرَفِينَ. وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُزَيِّنَكُمَا مِنَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ، لِيَعْلَمَ فِرْعَوْنُ حِينَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا أَنَّ مَقْدِرَتَهُ تَعْجَزُ عَنْ مِثْلِ مَا أُوتِيتُمَا، فَعَلْتُ، وَلَكِنِّي أَرْغَبُ بِكُمَا عَنْ ذَلِكَ، وَأَزْوِيهِ عَنْكُمَا. وَكَذَلِكَ أَفْعَلُ بِأَوْلِيَائِي، وَقَدِيمًا مَا جَرَتْ عَادَتِي فِي ذَلِكَ. فَإِنِّي لأذودُهم عَنْ نَعِيمِهَا وَرَخَائِهَا، كَمَا يَذُودُ الرَّاعِي الشَّفِيقُ إِبِلَهُ عَنْ مَبَارِكِ الْغِرَّةِ، وَمَا ذَاكَ لِهَوَانِهِمْ عَلَيَّ، وَلَكِنْ لِيَسْتَكْمِلُوا نَصِيبَهُمْ مِنْ كَرَامَتِي سَالِمًا مُوْفَرًا لَمْ تكْلَمْه الدُّنْيَا.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَتَزَيَّنُ لِيَ الْعِبَادُ بِزِينَةٍ هِيَ أَبْلَغُ مِمَّا (?) عِنْدِي مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهَا زِينَةُ الْمُتَّقِينَ، عَلَيْهِمْ مِنْهَا لِبَاسٌ يُعْرَفون بِهِ مِنَ السَّكِينَةِ وَالْخُشُوعِ، سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، أُولَئِكَ أَوْلِيَائِي حَقًّا حَقًّا، فَإِذَا لَقِيْتَهُمْ فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ، وَذَلِّلْ قَلْبَكَ وَلِسَانَكَ، واعلم أنه من أهان لي