وُجُوبَ الْأَرْبَعَةِ الشُّهُودِ مِنَ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِينَ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا عَدْلًا مُجْتَهِدًا بَصِيرًا سَلِيمَ الْأَعْضَاءِ خَبِيرًا بِالْحُرُوبِ وَالْآرَاءِ قُرَشِيًّا عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْهَاشِمِيُّ وَلَا الْمَعْصُومُ مِنَ الْخَطَأِ خِلَافًا لِلْغُلَاةِ الرَّوَافِضِ، وَلَوْ فَسَقَ الْإِمَامُ هَلْ يَنْعَزِلُ أَمْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ" (?) وَهَلْ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَقَدْ عَزَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَفْسَهُ وَسَلَّمَ الْأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ لَكِنْ هَذَا لِعُذْرٍ وَقَدْ مُدِحَ عَلَى ذَلِكَ.
فَأَمَّا نَصْبُ إِمَامَيْنِ فِي الْأَرْضِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "مَنْ جَاءَكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَكُمْ فَاقْتُلُوهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ" (?) . وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَدْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَقَالَتِ الْكَرَّامِيَّةُ: يَجُوزُ نَصْبُ إِمَامَيْنِ فَأَكْثَرَ كَمَا كَانَ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ إِمَامَيْنِ وَاجِبَيِ الطَّاعَةِ، قَالُوا: وَإِذَا جَازَ بَعْثُ نَبِيَّيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَأَكْثَرَ جَازَ ذَلِكَ فِي الْإِمَامَةِ؛ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ أَعْلَى رُتْبَةً بِلَا خِلَافٍ، وَحَكَى إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنِ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ جَوَّزَ نَصْبَ إِمَامَيْنِ فَأَكْثَرَ إِذَا تَبَاعَدَتِ الْأَقْطَارُ وَاتَّسَعَتِ الْأَقَالِيمُ بَيْنَهُمَا، وَتَرَدَّدَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي ذَلِكَ، قُلْتُ: وَهَذَا يُشْبِهُ حَالَ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ بِالْعِرَاقِ وَالْفَاطِمِيِّينَ بِمِصْرَ وَالْأُمَوِيِّينَ بِالْمَغْرِبِ.
{وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) }
هَذَا مَقَامٌ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ شَرَفَ آدَمَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، بِمَا اخْتَصَّهُ بِهِ مِنْ عِلم أَسْمَاءِ كُلِّ شَيْءٍ دُونَهُمْ، وَهَذَا كَانَ بَعْدَ سُجُودِهِمْ لَهُ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ هَذَا الْفَصْلَ عَلَى ذَاكَ، لِمُنَاسَبَةِ مَا بَيْنَ هَذَا الْمَقَامِ وَعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِحِكْمَةِ خَلْقِ الْخَلِيفَةِ، حِينَ سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَهُمْ [اللَّهُ] (?) تَعَالَى بِأَنَّهُ يَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُونَ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ تَعَالَى (?) هَذَا الْمَقَامَ عَقِيبَ هَذَا لِيُبَيِّنَ لَهُمْ شَرَفَ آدَمَ بِمَا فُضِّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ فِي الْعِلْمِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا}
وَقَالَ السُّدِّيُّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا} قَالَ: عَرَضَ عَلَيْهِ أَسْمَاءَ وَلَدِهِ إِنْسَانًا إِنْسَانًا، وَالدَّوَابِّ، فَقِيلَ: هَذَا الْحِمَارُ، هَذَا الْجَمَلُ، هَذَا الْفَرَسُ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا} قَالَ: هي هذه الأسماء التي يتعارف