وَقَالَ: {أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 77-79] ، وَقَالَ هَاهُنَا: {وَيَقُولُ الإنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلا يَذْكُرُ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} يَسْتَدِلُّ، تَعَالَى، بِالْبَدَاءَةِ عَلَى الْإِعَادَةِ، يَعْنِي أَنَّهُ، تَعَالَى [قَدْ] (?) خَلَقَ الْإِنْسَانَ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا، أَفَلَا يُعِيدُهُ وَقَدْ صَارَ شَيْئًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الرُّومِ: 27] ، وَفِي الصَّحِيحِ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَذِّبَنِي، وَآذَانِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُؤْذِيَنِي، أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلِيَّ مِنْ آخِرِهِ، وَأَمَّا أَذَاهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: إِنَّ لِي وَلَدًا، وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (?) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ (?) كُفُوًا أَحَدٌ" (?) .
وَقَوْلُهُ: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} أَقْسَمَ الرَّبُّ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ، أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَحْشُرَهُمْ جَمِيعًا وَشَيَاطِينَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} .
قَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي: قُعُودًا كَقَوْلِهِ: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [الْجَاثِيَةِ: 28] .
وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} : يَعْنِي: قِيَامًا، وَرُوِيَ عَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ [مِثْلَهُ] (?) .
وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ لَنَنزعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ} يَعْنِي: مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ قَالَهُ مُجَاهِدٌ، {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} .
قَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ [عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ] (?) ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يَحْبِسُ الْأَوَّلَ عَلَى الْآخِرِ، حَتَّى إِذَا تَكَامَلَتِ الْعِدَّةُ (?) ، أَتَاهُمْ جَمِيعًا، ثُمَّ بَدَأَ بِالْأَكَابِرِ، فَالْأَكَابِرِ جُرْمًا، وَهُوَ قَوْلُهُ: {ثُمَّ لَنَنزعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} .
وَقَالَ قَتَادَةُ: {ثُمَّ لَنَنزعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} قَالَ: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ أَهْلِ كُلِّ (?) دِينٍ قَادَتَهُمْ [وَرُؤَسَاءَهُمْ] (?) فِي الشَّرِّ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} [الْأَعْرَافِ: 38، 39]
وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا} ثُمَّ" هَاهُنَا لِعَطْفِ الْخَبَرِ عَلَى الْخَبَرِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ مِنَ الْعِبَادِ أَنْ يَصْلَى بِنَارِ جَهَنَّمَ ويخلَّد فيها، وبمن (?) يستحق تضعيف