وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا أَدْرِي (?) مَا حَنَانًا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ قَوْلِهِ: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} ، فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْهَا عباس، فَلَمْ يَحْرِ (?) فِيهَا شَيْئًا.
وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ: {وَحَنَانًا [مِنْ لَدُنَّا] } (?) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} أَيْ: وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ وَحَنَانًا، {وَزَكَاةً} أَيْ: وَجَعَلْنَاهُ ذَا حَنَانٍ وَزَكَاةٍ، فَالْحَنَانُ هُوَ الْمَحَبَّةُ فِي شَفَقَةٍ وَمَيْلٍ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: حَنَّتِ النَّاقَةُ عَلَى وَلَدِهَا، وَحَنَّتِ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا. وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ "حَنَّة" مِنَ الحَنَّة، وَحَنَّ الرَّجُلُ إِلَى وَطَنِهِ، وَمِنْهُ التَّعَطُّفُ وَالرَّحْمَةُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ (?)
تَحنَّنْ (?) عَلَي هَدَاكَ المليكُ ... فإنَّ لكُل مَقامٍ مَقَالا ...
وَفِي الْمُسْنَدِ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ، عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ (?) رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ: "يَبْقَى رَجُلٌ فِي النَّارِ يُنَادِي أَلْفَ سَنَةٍ: يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ" (?)
وَقَدْ يُثنَّي (?) وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ مَا وَرَدَ مِنْ (?) ذَلِكَ لُغَةً بِذَاتِهَا، كَمَا قَالَ طُرْفَةُ:
أَنَا مُنْذر أفنيتَ فاسْتبق بَعْضَنَا ... حَنَانَيْك بَعْض الشَّر أهْونُ مِنْ بَعْض (?)
وَقَوْلُهُ: {وَزَكَاةً} مَعْطُوفٌ عَلَى {وَحَنَانًا} فَالزَّكَاةُ الطَّهَارَةُ مِنَ الدَّنَسِ وَالْآثَامِ وَالذُّنُوبِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: الزَّكَاةُ (?) الْعَمَلُ الصَّالِحُ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَابْنُ جُرَيْجٍ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ الزَّكِيُّ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَزَكَاةً} [قَالَ: بَرَكَةً] (?) {وَكَانَ تَقِيًّا} طَهُرَ، فَلَمْ يَعْمَلْ بِذَنْبٍ.
وَقَوْلُهُ: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى طَاعَتَهُ لِرَبِّهِ، وَأَنَّهُ خَلَقَهُ ذَا رَحْمَةٍ وَزَكَاةٍ وَتُقًى، عَطَفَ بِذِكْرِ طَاعَتِهِ لِوَالِدَيْهِ وَبِرِّهِ بِهِمَا، وَمُجَانَبَتِهِ (?) عُقُوقَهُمَا، قَوْلًا وَفِعْلًا [وَأَمْرًا] (?) وَنَهْيًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الْجَمِيلَةِ جَزَاءً لَهُ عَلَى ذَلِكَ: {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} أَيْ: لَهُ الْأَمَانُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَحْوَالِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: أَوْحَشُ مَا يَكُونُ الْخَلْقُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ: يَوْمَ يُولَدُ، فَيَرَى نَفْسَهُ خَارِجًا مِمَّا كَانَ فِيهِ، وَيَوْمَ يَمُوتُ فَيَرَى قَوْمًا لَمْ يَكُنْ عَايَنَهُمْ، وَيَوْمَ يُبْعَثُ، فَيَرَى نَفْسَهُ فِي مَحْشَرٍ عَظِيمٍ. قَالَ: فَأَكْرَمَ اللَّهُ فِيهَا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا فَخَصَّهُ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ، {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا}