وَقَوْلُهُ: {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} أَيْ: لَمَّا بَنَاهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} أَيْ: بِالنَّاسِ حَيْثُ جَعَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ حَائِلًا يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْعَيْثِ (?) فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادِ. {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي} أَيْ: إِذَا اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ {جَعَلَهُ دَكَّاءَ} أَيْ: سَاوَاهُ (?) بِالْأَرْضِ. تَقُولُ الْعَرَبُ: نَاقَةٌ دَكَّاءُ: إِذَا كَانَ ظَهْرُهَا مُسْتَوِيًا لَا سَنَامَ لَهَا. وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الْأَعْرَافِ: 143] أَيْ: مُسَاوِيًا لِلْأَرْضِ (?) .

وَقَالَ عِكْرِمَةُ فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ} قَالَ: طَرِيقًا كَمَا كَانَ.

{وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} أَيْ: كَائِنًا لَا مَحَالَةَ.

وَقَوْلُهُ: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ [يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ] } (?) أي: النَّاسَ يَوْمَئِذَ أَيْ: يَوْمَ يُدَكُّ (?) هَذَا السَّدُّ وَيَخْرُجُ هَؤُلَاءِ فَيَمُوجُونَ فِي النَّاسِ وَيُفْسِدُونَ عَلَى النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَيُتْلِفُونَ أَشْيَاءَهُمْ، وَهَكَذَا قَالَ السُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} قَالَ: ذَاكَ حِينَ يَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ. وَهَذَا كُلُّهُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَبَعْدَ الدَّجَّالِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ [إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى] (?) عِنْدَ قَوْلِهِ: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} [الأنبياْ: 96، 97] وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} قَالَ: هَذَا أَوَّلُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، {وَنُفِخَ (?) فِي الصُّورِ} عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ {فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} .

وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَخْتَلِطُ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ.

وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ (?) عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ (?) فِي قَوْلِهِ: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} قَالَ: إِذَا مَاجَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ قَالَ إِبْلِيسُ: أَنَا أَعْلَمُ لَكُمْ عِلْمَ هَذَا الْأَمْرِ. فَيَظْعَنُ إِلَى الْمَشْرِقِ فَيَجِدُ الْمَلَائِكَةَ قَدْ بَطَّنُوا (?) الْأَرْضَ، ثُمَّ يَظْعَنُ إِلَى الْمَغْرِبِ فَيَجِدُ الْمَلَائِكَةَ بَطَّنُوا (?) الْأَرْضَ فَيَقُولُ: "مَا مِنْ مَحِيصٍ". ثُمَّ يَظْعَنُ يَمِينًا وَشِمَالًا إِلَى أَقْصَى الْأَرْضِ فَيَجِدُ الْمَلَائِكَةَ بَطَّنُوا (?) الْأَرْضَ فَيَقُولُ: "مَا مِنْ مَحِيصٍ" فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ، إِذْ عُرِضُ لَهُ طَرِيقٌ كَالشِّرَاكِ، فَأَخَذَ عَلَيْهِ هُوَ وَذُرِّيَّتُهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَيْهِ إِذْ هَجَمُوا عَلَى النَّارِ، فَأَخْرَجَ اللَّهُ خَازِنًا مِنْ خُزَّانِ النار، فقال: يا إبليس، أَلَمْ تَكُنْ لَكَ الْمَنْزِلَةُ عِنْدَ رَبِّكَ؟! أَلَمْ تَكُنْ فِي الْجِنَانِ؟! فَيَقُولُ: لَيْسَ هَذَا يَوْمَ عِتَابٍ، لَوْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيَّ فَرِيضَةً لَعَبَدْتُهُ فِيهَا عِبَادَةً لَمْ يَعْبُدْهُ مِثْلَهَا أَحَدٌ من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015