17

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاءَ.

قُلْتُ: إِنَّمَا يَجِيءُ هَذَا (?) عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ "أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا" قَالَ عَلِيُّ بْنُ طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} يَقُولُ: سَلَّطْنَا أَشْرَارَهَا فَعَصَوْا فِيهَا، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَهْلَكْتُهُمْ (?) بِالْعَذَابِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا} [الْأَنْعَامِ: 123] ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَمُجَاهِدٌ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ.

وَقَالَ العَوْفِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} يَقُولُ: أَكْثَرْنَا عَدَدَهُمْ، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَعَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} : أَكْثَرْنَا.

وَقَدِ اسْتَشْهَدَ بَعْضُهُمْ بِالْحَدِيثِ الذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو نَعَامَةَ الْعَدَوِيُّ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ بُدَيْل، عَنْ إِيَاسِ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ سُوَيْد بْنِ هُبَيْرة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَيْرُ مَالِ امْرِئٍ لَهُ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ أَوْ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ".

قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي كِتَابِهِ "الْغَرِيبِ": الْمَأْمُورَةُ: كَثِيرَةُ النَّسْلِ. وَالسِّكَّةُ: الطَّرِيقَةُ الْمُصْطَفَّةُ مِنَ النَّخْلِ، وَالْمَأْبُورَةُ: مِنَ التَّأْبِيرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا جَاءَ هَذَا مُتَنَاسِبًا كَقَوْلِهِ: "مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ" (?) .

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) }

يَقُولُ تَعَالَى مُنْذِرًا كُفَّارَ قُرَيْشٍ فِي تَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ قَدْ أَهْلَكَ أُمَمًا مِنَ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ، وَدَلَّ هَذَا عَلَى (?) أَنَّ الْقُرُونَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَلَى الْإِسْلَامِ، كَمَا قَالَهُ (?) ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ (?) قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ.

وَمَعْنَاهُ: أَنَّكُمْ أَيُّهَا الْمُكَذِّبُونَ لَسْتُمْ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ، وَقَدْ كَذَّبْتُمْ أَشْرَفَ الرُّسُلِ وَأَكْرَمَ الْخَلَائِقِ، فَعُقُوبَتُكُمْ أَوْلَى وَأَحْرَى.

وَقَوْلُهُ [تَعَالَى] (?) {وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} أَيْ: هُوَ عَالِمٌ بِجَمِيعِ أَعْمَالِهِمْ، خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، لَا يخفى عليه منها خافية [سبحانه وتعالى] (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015