إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُدْخِلُ أَحَدًا النَّارَ إِلَّا بَعْدَ إِرْسَالِ الرَّسُولِ إِلَيْهِ، وَمِنْ ثَمَّ طَعَنَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي اللَّفْظَةِ الَّتِي جَاءَتْ مُقْحِمَةً فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الْأَعْرَافِ: 56] .
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَان، عَنِ الْأَعْرَجِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى (?) أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اخْتَصَمَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ" فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: "وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ خَلْقًا فَيُلْقَوْنَ فِيهَا، فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ (?) ثَلَاثًا، وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ (?) .
فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا جَاءَ فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّهَا دَارُ فَضْلٍ، وَأَمَّا النَّارُ فَإِنَّهَا دَارُ عَدْلٍ، لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ إِلَّا بَعْدَ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِ وَقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ. وَقَدْ تَكَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ (?) وَقَالُوا: لَعَلَّهُ انْقَلَبَ عَلَى الرَّاوِي بِدَلِيلِ مَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (?) عَنْ مَعْمَر، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (?) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ" فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: "فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ، فَتَقُولَ: قَطٍ، قَطٍ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيَزْوِي (?) بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَيُنْشِئُ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا" (?) .
بَقِيَ هَاهُنَا مَسْأَلَةٌ قَدِ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ (?) رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، فِيهَا (?) قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَهِيَ: الْوِلْدَانُ الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ صِغَارٌ وَآبَاؤُهُمْ كُفَّارٌ، مَاذَا حُكْمُهُمْ؟ وَكَذَا الْمَجْنُونُ وَالْأَصَمُّ وَالشَّيْخُ الْخَرِفُ، وَمَنْ مَاتَ فِي الفَتْرة وَلَمْ تَبْلُغْهُ (?) الدَّعْوَةُ. وَقَدْ وَرَدَ فِي شَأْنِهِمْ أَحَادِيثُ أَنَا ذَاكِرُهَا لَكَ بِعَوْنِ اللَّهِ [تَعَالَى] (?) وَتَوْفِيقِهِ ثُمَّ نَذْكُرُ فَصْلًا مُلَخَّصًا مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ (?) الْمُسْتَعَانُ.
فَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَريع:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (?) أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَرْبَعَةٌ يَحْتَجُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرِمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ، فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ: رَبِّ، قَدْ (?) جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ: رَبِّ، قَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي (?) بِالْبَعْرِ، وَأَمَّا الهَرَمُ فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا،