وَكَلِيمِهِ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (?) أَيْضًا، فَإِنَّهُ تَعَالَى كَثِيرًا مَا يُقْرِنُ بَيْنَ ذِكْرِ مُوسَى وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ (?) وَبَيْنَ ذِكْرِ التَّوْرَاةِ وَالْقُرْآنِ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْإِسْرَاءِ: {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} يَعْنِي التَّوْرَاةَ {وَجَعَلْنَاهُ} أَيِ الْكِتَابَ {هُدًى} أَيْ هَادِيًا {لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلا تَتَّخِذُوا} أَيْ لِئَلَّا تَتَّخِذُوا {مِنْ دُونِي وَكِيلا} أَيْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا وَلَا مَعْبُودًا دُونِي؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ أَرْسَلَهُ (?) أَنْ يَعْبُدَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
ثُمَّ قَالَ: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} تَقْدِيرُهُ: يَا ذُرِّيَّةُ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ. فِيهِ تَهْيِيجٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى الْمِنَّةِ، أَيْ: يَا سُلَالَةَ مَنْ نَجَّيْنَا فَحَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ، تَشَبَّهُوا بِأَبِيكُمْ، {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} فَاذْكُرُوا أَنْتُمْ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ بِإِرْسَالِي إِلَيْكُمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَفِي الْأَثَرِ عَنِ السَّلَفِ: أَنَّ نُوحًا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ يَحْمَدُ اللَّهَ [تَعَالَى] (?) عَلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَلِبَاسِهِ وَشَأْنِهِ كُلِّهِ; فَلِهَذَا سُمِّيَ عَبْدًا شَكُورًا.
قَالَ: الطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَين، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ نُوحٌ عَبْدًا شَكُورًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ حَمِدَ اللَّهَ (?) .
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَة، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَ اللَّهَ عَلَيْهَا".
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ، بِهِ (?) .
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: كَانَ يَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هُنَا حَدِيثَ أَبِي زُرْعَة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (?) ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ -بِطُولِهِ، وَفِيهِ -: فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ (?) أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بكماله (?) .