وَقَالَ بَعْدَهُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [الْحَجِّ: 8] (?) وَقَدْ قَسَّمَ اللَّهُ (?) الْمُؤْمِنِينَ فِي أَوَّلِ الْوَاقِعَةِ وَآخِرِهَا (?) وَفِي سُورَةِ الْإِنْسَانِ، إِلَى قِسْمَيْنِ: سَابِقُونَ وَهُمُ الْمُقَرَّبُونَ، وَأَصْحَابُ يَمِينٍ وَهُمُ الْأَبْرَارُ.
فَتُلُخِّصَ (?) مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ صِنْفَانِ: مُقَرَّبُونَ وَأَبْرَارٌ، وَأَنَّ الْكَافِرِينَ صِنْفَانِ: دُعَاةٌ وَمُقَلِّدُونَ، وَأَنَّ الْمُنَافِقِينَ -أَيْضًا-صِنْفَانِ: مُنَافِقٌ خَالِصٌ، وَمُنَافِقٌ فِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ نِفَاقٍ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعها: مَنْ إِذَا حَدّث كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ" (?) .
اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ تَكُونُ فِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ إِيمَانٍ، وَشُعْبَةٌ مِنْ نِفَاقٍ. إِمَّا عَمَلي لِهَذَا الْحَدِيثِ، أَوِ اعْتِقَادِيٌّ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَمَا سَيَأْتِي، إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ يَعْنِي شَيْبَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْقُلُوبُ أَرْبَعَةٌ: قَلْبٌ أَجْرَدُ، فِيهِ مِثْلُ السِّرَاجِ يُزْهر، وَقَلْبٌ أَغْلَفُ مَرْبُوطٌ عَلَى غِلَافِهِ، وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ، وَقَلْبٌ مُصَفَّح، فَأَمَّا الْقَلْبُ الْأَجْرَدُ فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ، سِرَاجُهُ فِيهِ نُورُهُ، وَأَمَّا الْقَلْبُ الْأَغْلَفُ فَقَلْبُ الْكَافِرِ، وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمَنْكُوسُ فَقَلْبُ الْمُنَافِقِ الْخَالِصِ، عَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ، وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمُصَفَّحُ فَقَلْبٌ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ، ومَثَل الْإِيمَانِ فِيهِ كَمَثَلِ الْبَقْلَةِ، يَمُدُّهَا الْمَاءُ الطَّيِّبُ، وَمَثَلُ النِّفَاقِ فِيهِ كَمَثَلِ الْقُرْحَةِ يَمُدّها الْقَيْحُ وَالدَّمُ، فَأَيُّ الْمَدَّتَيْنِ (?) غَلَبَتْ عَلَى الْأُخْرَى غَلَبَتْ عَلَيْهِ" (?) . وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ حَسَنٌ.
وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمة، أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} قَالَ: لِمَا تَرَكُوا مِنَ الْحَقِّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ.
{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (?) أَيْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ مَا أَرَادَ بِعِبَادِهِ مِنْ نِقْمَةٍ، أَوْ عَفْوٍ، قَدِيرٌ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: إِنَّمَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّهُ حَذَّرَ الْمُنَافِقِينَ بَأْسَهُ وَسَطْوَتَهُ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ بِهِمْ مُحِيطٌ، وَ [أَنَّهُ] (?) عَلَى إِذْهَابِ أَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ قَدِيرٌ، وَمَعْنَى {قَدِيرٌ} قَادِرٌ، كَمَا أَنَّ مَعْنَى {عَلِيمٌ} عالم.