وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} يَقُولُ: كُلَّمَا أَصَابَ الْمُنَافِقِينَ مِنْ عِزِّ الْإِسْلَامِ اطْمَأَنُّوا إِلَيْهِ، وَإِنْ أَصَابَ الْإِسْلَامَ نَكْبَةٌ قَامُوا لِيَرْجِعُوا إِلَى الْكُفْرِ، كَقَوْلِهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ [وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ] (?) } الْآيَةَ [الْحَجِّ: 11] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} أَيْ: يَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَيَتَكَلَّمُونَ بِهِ، فَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ بِهِ عَلَى اسْتِقَامَةٍ فَإِذَا ارْتَكَسُوا مِنْهُ (?) إِلَى الْكُفْرِ {قَامُوا} أَيْ: مُتَحَيِّرِينَ.
وَهَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَالسُّدِّيُّ بِسَنَدِهِ، عَنِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَكَذَا يَكُونُونَ (?) يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَمَا يُعْطَى النَّاسُ النُّورَ بِحَسَبِ إِيمَانِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى مِنَ النُّورِ مَا يُضِيءُ لَهُ مَسِيرَةَ فَرَاسِخَ، وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يطْفَأ نُورُهُ تَارَةً وَيُضِيءُ لَهُ أُخْرَى، فَيَمْشِي (?) عَلَى الصِّرَاطِ تَارَةً وَيَقِفُ أُخْرَى. وَمِنْهُمْ مَنْ يُطْفَأُ نُورُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُمُ الخُلَّص مِنَ الْمُنَافِقِينَ، الَّذِينَ قَالَ تَعَالَى (?) فِيهِمْ: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} [الْحَدِيدِ: 13] وَقَالَ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ} الْآيَةَ [الْحَدِيدِ: 12] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التَّحْرِيمِ: 8] .
ذِكْرُ الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ:
قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبة، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الْآيَةَ [الْحَدِيدِ: 12] ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ (?) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُضِيءُ نُورُهُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى عَدَنَ، أَوْ بَيْنَ (?) صَنْعَاءَ وَدُونَ ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُضِيءُ نُورُهُ إِلَّا مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ". رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ دَاوَر (?) الْقَطَّانِ، عَنْ قَتَادَةَ، بِنَحْوِهِ.
وَهَذَا كَمَا قَالَ المِنْهَال بْنُ عَمْرٍو، عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّكَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: يُؤْتَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى (?) نُورَهُ كَالنَّخْلَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى (?) نُورَهُ كَالرَّجُلِ الْقَائِمِ، وَأَدْنَاهُمْ نُورًا عَلَى إِبْهَامِهِ يطفأ مرة ويَقِد (?) مرة.