{وَاللَّهُ أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) }
يَذْكُرُ تَعَالَى أَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَى الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ رُسُلا فكُذِّبت الرُّسُلُ، فَلَكَ يَا مُحَمَّدُ فِي إِخْوَانِكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ أُسْوَةٌ، فَلَا يهيدنَّك تَكْذِيبُ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ، فَإِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ تَزْيِينُ الشَّيْطَانِ لَهُمْ مَا فَعَلُوهُ، {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ} أَيْ: هُمْ تَحْتَ الْعُقُوبَةِ وَالنَّكَالِ، وَالشَّيْطَانُ وَلِيُّهُمْ، وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ خَلَاصًا؛ وَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
ثُمَّ قَالَ (?) تَعَالَى لِرَسُولِهِ: أَنَّهُ إِنَّمَا أَنْزَلَ (?) عَلَيْهِ الْكِتَابَ لِيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَالْقُرْآنُ فَاصِلٌ بَيْنَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَا يَتَنَازَعُونَ فِيهِ {وَهُدًى} أَيْ: لِلْقُلُوبِ، {وَرَحْمَةً} أَيْ: لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}
وَكَمَا جَعَلَ تَعَالَى الْقُرْآنَ حَيَاةً لِلْقُلُوبِ الْمَيِّتَةِ بِكُفْرِهَا، كَذَلِكَ يُحْيِي [اللَّهُ] (?) الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا بِمَا يُنْزِلُهُ (?) عَلَيْهَا مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} أَيْ: يَفْهَمُونَ الْكَلَامَ وَمَعْنَاهُ.
{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) }
يَقُولُ تَعَالَى: {وَإِنَّ لَكُمْ} أَيُّهَا النَّاسُ {فِي الأنْعَامِ} وَهِيَ: الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، {لَعِبْرَةً} أَيْ: لَآيَةً وَدَلَالَةً عَلَى قُدْرَةِ خَالِقِهَا وَحَكَمْتِهِ وَلُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ، {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ} وَأَفْرَدَ هَاهُنَا [الضَّمِيرَ] (?) عَوْدًا عَلَى مَعْنَى النِّعَمِ، أَوِ الضَّمِيرُ (?) عَائِدٌ عَلَى الْحَيَوَانِ؛ فَإِنَّ الْأَنْعَامَ حَيَوَانَاتٌ، أَيْ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بَطْنِ (?) هَذَا الْحَيَوَانِ.