19

وَقَوِيِّ السَّيْرِ وَبَطِيئِهِ، بِحَسَبِ مَا أَرَادَ وَقَدَّرَ، وَسَخَّرَ وَيَسَّرَ فَلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.

وَكَذَلِكَ جَعَلَ فِيهَا سُبُلًا أَيْ: طُرُقًا يُسْلَكُ فِيهَا مِنْ بِلَادٍ إِلَى بِلَادٍ، حَتَّى إِنَّهُ تَعَالَى لَيَقْطَعُ الْجَبَلَ حَتَّى يَكُونَ (?) مَا بَيْنَهُمَا مَمَرًّا وَمَسْلَكًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا} [الْأَنْبِيَاءِ: 31] .

وَقَوْلُهُ: {وَعَلامَاتٍ} أَيْ: دَلَائِلَ مِنْ جِبَالٍ كِبَارٍ وَآكَامٍ صِغَارٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، يَسْتَدِلُّ بِهَا الْمُسَافِرُونَ برًا وَبَحْرًا إِذَا ضَلُّوا الطَّرِيقَ [بِالنَّهَارِ] (?) .

وَقَوْلُهُ: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} أَيْ: فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.

وَعَنْ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: {وَعَلامَاتٍ} يَقُولُونَ: النُّجُومُ، وَهِيَ الْجِبَالُ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى عَظَمَتِهِ، وَأَنَّهُ لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَوْثَانِ، الَّتِي لَا تَخْلُقُ شَيْئًا بَلْ هُمْ يُخْلَقُونَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}

ثُمَّ نَبَّهَهُمْ عَلَى كَثْرَةِ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} أَيْ: يَتَجَاوَزُ عَنْكُمْ، وَلَوْ طَالَبَكُمْ بِشُكْرِ جَمِيعِ نِعَمِهِ لَعَجَزْتُمْ عَنِ الْقِيَامِ بِذَلِكَ، وَلَوْ أَمَرَكُمْ بِهِ لَضَعُفْتُمْ وَتَرَكْتُمْ، وَلَوْ عَذَّبَكُمْ لَعَذَّبَكُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، يَغْفِرُ الْكَثِيرَ، وَيُجَازِي عَلَى (?) الْيَسِيرِ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَقُولُ: {إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} لِمَا كَانَ مِنْكُمْ مِنْ تَقْصِيرٍ فِي شُكْرِ بَعْضِ ذَلِكَ، إِذَا تُبْتُمْ وَأَنَبْتُمْ إِلَى طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ مَرْضَاتِهِ، {رَحِيمٌ} بِكُمْ أَنْ يُعَذِّبَكُمْ، [أَيْ] (?) : بَعْدَ الْإِنَابَةِ وَالتَّوْبَةِ (?) .

{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) }

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يَعْلَمُ الضَّمَائِرَ وَالسَّرَائِرَ كَمَا يَعْلَمُ الظَّوَاهِرَ، وَسَيَجْزِي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.

ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الْأَصْنَامَ الَّتِي يَدْعُونَهَا (?) مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ، كَمَا قَالَ الْخَلِيلُ: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصَّافَّاتِ: 95، 96] .

وَقَوْلُهُ: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} أَيْ: هِيَ جَمَادَاتٌ لَا أَرْوَاحَ فِيهَا (?) فَلَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ وَلَا تَعْقِلُ.

{وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} أَيْ: لَا يَدْرُونَ مَتَى تَكُونُ السَّاعَةُ، فَكَيْفَ يُرْتَجَى عِنْدَ هَذِهِ نَفْعٌ أَوْ ثَوَابٌ أَوْ جَزَاءٌ؟ إِنَّمَا يُرْتَجَى (?) ذَلِكَ مِنَ الَّذِي يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ، وهو خالق كل شيء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015