فَكُلُّ رَنَّةٍ فِي الدُّنْيَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْهَا. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَإِنَّهُ لَمَّا تَحَقَّقَ الْغَضَبُ الَّذِي لَا مَرَدَّ لَهُ، سَأَلَ مِنْ تَمَامِ حَسَدِهِ لِآدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ النَّظِرَةَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ يَوْمُ الْبَعْثِ وَأَنَّهُ أُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ اسْتِدْرَاجًا لَهُ وَإِمْهَالًا فَلَمَّا تَحَقَّقَ النَّظِرَةَ قَبَّحَهُ اللَّهُ:
{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44) }
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ إِبْلِيسَ وَتَمَرُّدِهِ وَعُتُوِّهِ أَنَّهُ قَالَ لِلرَّبِّ: {بِمَا أَغْوَيْتَنِي} قَالَ بَعْضُهُمْ: أَقْسَمَ بِإِغْوَاءِ اللَّهِ لَهُ.
قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بِسَبَبِ مَا أَغْوَيْتَنِي وَأَضْلَلْتَنِي {لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ} أَيْ: لِذُرِّيَّةِ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ {فِي الأرْضِ} أَيْ: أُحَبِّبُ إِلَيْهِمُ الْمَعَاصِيَ وَأُرَغِّبُهُمْ فِيهَا، وَأُؤَزِّهُمْ إِلَيْهَا، وَأُزْعِجُهُمْ إِزْعَاجًا، {وَلأغْوِيَنَّهُمْ} أَيْ: كَمَا أَغْوَيْتَنِي ونَدَّرت عَلَى ذَلِكَ، {أَجْمَعِينَ إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} كَمَا قَالَ {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا} [الْإِسْرَاءِ: 62]
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مُتَهَدِّدًا وَمُتَوَعِّدًا (?) {هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} أَيْ: مَرْجِعُكُمْ كُلُّكُمْ إِلَيَّ، فَأُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنَّ شَرًّا فَشَرٌّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الْفَجْرِ: 14]
وَقِيلَ: طَرِيقُ الْحَقِّ مَرْجِعُهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَيْهِ تَنْتَهِي. قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ كَمَا قَالَ: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النَّحْلِ: 9]
وَقَرَأَ قَيْسُ بْنُ عُبَاد، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَقَتَادَةُ: "هَذَا صِرَاطٌ عَلِيٌّ مُسْتَقِيمٌ"، كَقَوْلِهِ: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزُّخْرُفِ: 4] أَيْ: رَفِيعٌ. وَالْمَشْهُورُ الْقِرَاءَةُ الْأُولَى.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} أَيِ: الَّذِينَ قَدَّرْتُ لَهُمُ (?) الْهِدَايَةَ، فَلَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهِمْ، وَلَا وُصُولَ لَكَ إِلَيْهِمْ، {إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ.
وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ جَرير هَاهُنَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ (?) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ قُسَيْط قَالَ: كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ يَكُونُ لَهُمْ مَسَاجِدُ خَارِجَةً مِنْ قُرَاهُمْ، فَإِذَا أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْبِئَ رَبَّهُ عَنْ شَيْءٍ، خَرَجَ إِلَى مَسْجِدِهِ فَصَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ سَأَلَ مَا بَدَا لَهُ، فَبَيْنَا نَبِيٌّ فِي مَسْجِدِهِ إِذْ جَاءَ عَدُوُّ اللَّهِ -يَعْنِي: إِبْلِيسُ -حَتَّى جَلَسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. [فقال