16

وَالطُّغْيَانُ: هُوَ الْمُجَاوَزَةُ فِي الشَّيْءِ. كَمَا قَالَ: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الْحَاقَّةِ: 11] ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} فِي كُفْرِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ.

وَكَذَا فَسَّرَهُ السُّدِّيُّ بِسَنَدِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَبِهِ يَقُولُ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَقَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: فِي كُفْرِهِمْ وَضَلَالَتِهِمْ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: والعَمَه: الضَّلَالُ، يُقَالُ: عَمِهَ فُلَانٌ يَعْمَه عَمَهًا وعُمُوهًا: إِذَا ضَلَّ.

قَالَ: وَقَوْلُهُ: {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} فِي ضَلَالِهِمْ (?) وَكُفْرِهِمُ الَّذِي غَمَرَهُمْ دَنَسُه، وعَلاهم رجْسه، يَتَرَدَّدُونَ [حَيَارَى] (?) ضُلالا (?) لَا يَجِدُونَ إِلَى الْمَخْرَجِ مِنْهُ سَبِيلًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ طَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَخَتَمَ عَلَيْهَا، وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ عَنِ الْهُدَى وَأَغْشَاهَا، فَلَا يُبْصِرُونَ رُشْدًا، وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا.

[وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَمَى فِي الْعَيْنِ، وَالْعَمَهُ فِي الْقَلْبِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الْعَمَى فِي الْقَلْبِ -أَيْضًا-: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الْحَجِّ: 46] وَيُقَالُ: عَمِهَ الرَّجُلُ يَعْمَهُ عُمُوهًا فَهُوَ عَمِهٌ وَعَامِهٌ، وَجَمْعُهُ عُمَّهٌ، وَذَهَبَتْ إِبِلُهُ الْعَمْهَاءُ: إِذَا لَمْ يَدْرِ أَيْنَ ذَهَبَتْ (?) .

{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) }

قَالَ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرّة، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} قَالَ: أَخَذُوا الضَّلَالَةَ وَتَرَكُوا الْهُدَى.

وَقَالَ [مُحَمَّدُ] (?) بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} أَيِ: الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا.

وَقَالَ قَتَادَةُ: اسْتَحَبُّوا الضَّلَالَةَ عَلَى الْهُدَى [أَيِ: الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ] (?) . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ يُشْبِهُهُ فِي الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى فِي ثَمُودَ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فُصِّلَتْ: 17] (?) .

وَحَاصِلُ قَوْلِ الْمُفَسِّرِينَ فِيمَا تَقَدَّمَ: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ عَدَلوا عَنِ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالِ، وَاعْتَاضُوا عَنِ الْهُدَى بِالضَّلَالَةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} أَيْ بَذَلُوا الْهُدَى ثَمَنًا لِلضَّلَالَةِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مِنْ كَانَ مِنْهُمْ قَدْ حَصَلَ لَهُ الْإِيمَانُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إِلَى الْكُفْرِ، كَمَا قَالَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015