{وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) }
يُعَدِّدُ تَعَالَى نِعَمَهُ عَلَى خَلْقِهِ، بِأَنْ خَلَقَ لَهُمُ السَّمَاوَاتِ سَقْفًا مَحْفُوظًا (?) وَالْأَرْضَ فِرَاشًا، وأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى، مَا بَيْنَ ثِمَارٍ وَزُرُوعٍ، مُخْتَلِفَةِ الْأَلْوَانِ وَالْأَشْكَالِ، وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ وَالْمَنَافِعِ، وَسَخَّرَ الْفُلْكَ بِأَنْ جَعْلَهَا طَافِيَةً عَلَى تَيَّارِ مَاءِ الْبَحْرِ، تَجْرِي عَلَيْهِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسَخَّرَ الْبَحْرَ يَحْمِلُهَا لِيَقْطَعَ الْمُسَافِرُونَ بِهَا مِنْ إِقْلِيمٍ إِلَى إِقْلِيمٍ آخَرَ، لِجَلْبِ مَا هُنَا إِلَى هُنَاكَ، وَمَا هُنَاكَ إِلَى هَاهُنَا، وَسَخَّرَ الْأَنْهَارَ تَشُقُّ الْأَرْضَ مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، رِزْقًا لِلْعِبَادِ مَنْ شُرْبٍ وَسَقْيٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَنَافِعِ.
{وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} أَيْ: يَسِيرَانِ لَا يُقِرَّانِ (?) لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] ، {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الْأَعْرَافِ: 54] ، فَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَتَعَاقَبَانِ، وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ عَارِضَانِ (?) فَتَارَةً يَأْخُذُ هَذَا مِنْ هَذَا فَيَطُولُ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْآخَرُ مِنْ هَذَا فَيَقْصُرُ، {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (?) } [لُقْمَانَ: 29] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى} [الزُّمَرِ: 5] .
وَقَوْلُهُ: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} يَقُولُ: هَيَّأَ لَكُمْ كُلَّ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكُمْ مِمَّا تَسْأَلُونَهُ بِحَالِكُمْ (?) وَقَالِكُمْ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَمَا لَمْ تَسْأَلُوهُ.
وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: "وَأَتَاكُمْ مِنْ كُلٍّ مَا سَأَلْتُمُوهُ".
وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} يُخْبِرُ عَنْ عَجْزِ الْعِبَادِ عَنْ تَعْدَادِ النِّعَمِ فَضْلًا عَنِ الْقِيَامِ بِشُكْرِهَا، كَمَا قَالَ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّ حَقَّ اللَّهِ أَثْقَلُ مِنْ أَنْ يَقُومَ بِهِ الْعِبَادُ، وَإِنَّ نِعَمَ اللَّهِ أَكْثَرُ (?) مِنْ أَنْ يُحْصِيَهَا (?) الْعِبَادُ، وَلَكِنْ أَصْبِحُوا تَوَّابِينَ وامسُوا توابين.