{وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} أَيْ: هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ بِي، وَسَيَرْحَمُ كِبَرِي وَضَعْفِي وَوَجْدِي بِوَلَدِي، وَأَرْجُو مِنَ اللَّهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيَّ، وَيَجْمَعَ شَمْلِي بِهِ، إِنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنزدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66) }
يَقُولُ تَعَالَى: وَلَمَّا فَتَحَ إِخْوَةُ يُوسُفَ مَتَاعَهُمْ، وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ، وَهِيَ الَّتِي كَانَ أَمَرَ يُوسُفُ فِتْيَانَهُ بِوَضْعِهَا فِي رِحَالِهِمْ، فَلَمَّا وَجَدُوهَا فِي مَتَاعِهِمْ {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي} ؟ أَيْ: مَاذَا نُرِيدُ؟ {هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} كَمَا قَالَ قَتَادَةُ. مَا نَبْغِي وَرَاءَ هَذَا (?) ؟ إِنَّ بِضَاعَتَنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَقَدْ أُوفِيَ لَنَا الْكَيْلُ.
{وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} أَيْ: إِذَا أَرْسَلْتَ أَخَانَا مَعَنَا نَأْتِي بِالْمِيرَةِ إِلَى أَهْلِنَا، {وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنزدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} وَذَلِكَ أَنَّ يُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ يُعْطِي كُلَّ رَجُلٍ حِمْلَ بَعِيرٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: حِمْلَ حِمَارٍ. وَقَدْ يُسَمَّى فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ بَعِيرًا، كَذَا قَالَ.
{ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} هَذَا مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ وَتَحْسِينِهِ، أَيْ: إِنَّ هَذَا يَسِيرٌ فِي مُقَابَلَةِ أَخْذِ أَخِيهِمْ مَا يَعْدِلُ هَذَا.
{قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ} أَيْ: تَحْلِفُونَ (?) بِالْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ، {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} إِلَّا أَنْ تُغْلَبُوا كُلُّكُمْ وَلَا تَقْدِرُونَ عَلَى تَخْلِيصِهِ.
{فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ} أَكَّدَهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: {اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مَنْ بَعْثِهِمْ لِأَجْلِ الْمِيرَةِ، الَّتِي لَا غنى لهم عنها، فبعثه معهم.
{وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (68) }