قَالَ مُجَاهِدٌ: يَقُولُ: {لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} [فِي نَوْمِكُمَا] (?) {إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} وَكَذَا قَالَ السُّدِّيُّ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ -شَيْخٌ لَهُ -حَدَّثَنَا رِشْدِينُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا أَدْرِي لَعَلَّ يُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ يَعْتَافُ وَهُوَ كَذَلِكَ، لِأَنِّي أَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حِينَ قَالَ لِلرَّجُلَيْنِ: {لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} قَالَ: إِذَا جَاءَ الطَّعَامُ حُلْوًا أَوْ مُرًّا اعْتَافَ عِنْدَ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا عُلِّمَ فَعَلَّمَ. وَهَذَا أَثَرٌ (?) غَرِيبٌ.
ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ مِنْ تَعْلِيمِ اللَّهِ إِيَّايَ؛ لِأَنِّي اجْتَنَبْتُ مِلَّةَ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَرْجُونَ ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا فِي الْمَعَادِ. {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} يَقُولُ: هَجَرْتُ طَرِيقَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ، وَسَلَكْتُ طَرِيقَ هَؤُلَاءِ الْمُرْسَلِينَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَهَكَذَا يَكُونُ حَالُ مِنْ سَلَكَ طَرِيقَ الْهُدَى، وَاتَّبَعَ الْمُرْسَلِينَ، وَأَعْرَضَ عَنْ طَرِيقِ الظَّالِمِينَ (?) فَإِنَّهُ يَهْدِي قَلْبَهُ وَيُعَلِّمُهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ، وَيَجْعَلُهُ إِمَامًا يُقْتَدَى (?) بِهِ فِي الْخَيْرِ، وَدَاعِيًا إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ.
{مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ} هَذَا التَّوْحِيدُ -وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، {مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا} أَيْ: أَوْحَاهُ إِلَيْنَا، وَأَمَرَنَا بِهِ {وَعَلَى النَّاسِ} إِذْ جَعَلَنَا دُعَاةً لَهُمْ إِلَى ذَلِكَ {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} (?) أَيْ: لَا يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ، بَلْ {بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إِبْرَاهِيمَ: 28] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَان، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ الْجَدَّ أَبًا، وَيَقُولُ: وَاللَّهِ فَمَنْ (?) شَاءَ لَاعَنَّاهُ عِنْدَ الحجْر، مَا ذَكَرَ اللَّهُ جَدًّا وَلَا جَدَّةً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى -يَعْنِي إِخْبَارًا عَنْ يُوسُفَ: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}
{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) }
ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَقْبَلَ عَلَى الْفَتَيَيْنِ بِالْمُخَاطَبَةِ، وَالدُّعَاءِ لَهُمَا إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَخَلْع مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَوْثَانِ الَّتِي يَعْبُدُهَا قَوْمُهُمَا، فَقَالَ: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}