يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ، يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، بِإِذْنِ اللَّهِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَسْأَلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا، بَلْ هُوَ يَدْعُو مَنْ لَقِيَهُ مِنْ شَرِيفٍ وَوَضِيعٍ، فَمَنِ اسْتَجَابَ لَهُ فَقَدْ نَجَا. وَيُخْبِرُهُمْ (?) أَنَّهُ لَا يَقدِر عَلَى التَّصَرُّفِ فِي خَزَائِنِ اللَّهِ، وَلَا يَعْلَمُ مِنَ الْغَيْبِ إِلَّا مَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هُوَ بمَلك مِنَ الْمَلَائِكَةِ، بَلْ بَشَرٌ مُرْسَلٌ، مُؤَيَّدٌ بِالْمُعْجِزَاتِ. وَلَا أقولُ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَحْتَقِرُونَهُمْ وَتَزْدَرُونَهُمْ (?) : إِنَّهُ (?) لَيْسَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ ثَوَابٌ على إيمانهم الله أعمل بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بَاطِنًا، كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِمْ، فَلَهُمْ جَزَاءً الْحُسْنَى، وَلَوْ قَطَعَ لَهُمْ أَحَدٌ بَشَرٍّ بَعْدَ مَا آمَنُوا، لَكَانَ ظَالِمًا قَائِلًا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ.
{قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) }
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ اسْتِعْجَالِ قَوْمِ نُوحٍ نِقْمَةَ اللَّهِ وَعَذَابَهُ وَسُخْطَهُ، وَالْبَلَاءُ مُوَكَّلٌ بِالْمَنْطِقِ: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} أَيْ: حَاجَجْتَنَا فَأَكْثَرَتْ مِنْ ذَلِكَ، وَنَحْنُ لَا نَتَبِّعُكَ {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} أَيْ: مِنَ النِّقْمَةِ وَالْعَذَابِ، ادْعُ عَلَيْنَا بِمَا شِئْتَ، فَلْيَأْتِنَا مَا تَدْعُو بِهِ (?) ، {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} أَيْ: إِنَّمَا الَّذِي يُعَاقِبُكُمْ وَيُعَجِّلُهَا لَكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا يُعجِزُه شَيْءٌ، {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ يُجدِي عَلَيْكُمْ إِبْلَاغِي لَكُمْ وَإِنْذَارِي إِيَّاكُمْ وَنُصْحِي، إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ إِغْوَاءَكُمْ وَدَمَارَكُمْ، {هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أَيْ: هُوَ مَالِكُ أَزِمَّةِ الْأُمُورِ، وَالْمُتَصَرِّفُ (?) الْحَاكِمُ الْعَادِلُ الَّذِي لَا يَجُورُ، لَهُ الْخَلْقُ وَلَهُ الْأَمْرُ، وَهُوَ الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ، مَالِكُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) }
هَذَا كَلَامٌ مُعْتَرَضٌ فِي وَسَطِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، مُؤَكِّدٌ لَهَا وَمُقَرِّرٌ بِشَأْنِهَا (?) . يَقُولُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ (?) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمْ يَقُولُ (?) هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ الْجَاحِدُونَ: افْتَرَى هَذَا وَافْتَعَلَهُ مِنْ عِنْدِهِ {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} أَيْ: فَإِثْمُ ذَلِكَ عَلَيَّ، {وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} أَيْ: لَيْسَ ذَلِكَ مُفْتَعَلًا وَلَا مُفْتَرًى (?) ، لِأَنِّي أَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ لِمَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ.