وَمَا أَنْشَدُوهُ مِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى صِحَّةِ إِطْلَاقِ الْحَرْفِ الْوَاحِدِ عَلَى بَقِيَّةِ الْكَلِمَةِ، فَإِنَّ فِي السِّيَاقِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا حُذِفَ بِخِلَافِ هَذَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
قُلْنَا قِفِي لَنَا فقالت قاف ... لا تَحْسَبِي أنا نَسينا الْإِيجَافَ (?)
تَعْنِي: وَقَفْتُ. وَقَالَ الْآخَرُ:
مَا لِلظَّلِيمِ عَالَ كَيْفَ لَا يَا ... ينقَدُّ عَنْهُ جِلْدُهُ إِذَا يَا (?)
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: إِذَا يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا، فَاكْتَفَى بِالْيَاءِ مِنْ يَفْعَلُ، وَقَالَ الْآخَرُ:
بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٌ وَإِنْ شَرًّا فَا ... وَلَا أُرِيدُ الشَّرَّ إِلَّا أَنْ تَا (?)
يَقُولُ: وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَلَا أُرِيدُ الشَّرَّ إِلَّا أَنْ تَشَاءَ، فَاكْتَفَى بِالْفَاءِ وَالتَّاءِ مِنَ الْكَلِمَتَيْنِ عَنْ بَقِيَّتِهِمَا، وَلَكِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَفِي الْحَدِيثِ: "مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ" (?) الْحَدِيثَ. قَالَ شَقِيقٌ: هُوَ أَنْ يَقُولَ فِي اقْتُلْ: إِقْ] (?) .
وَقَالَ خَصِيفٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: فَوَاتِحُ السُّوَرِ كلها "ق وص وحم وطسم والر" وَغَيْرُ ذَلِكَ هِجَاءٌ مَوْضُوعٌ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: هِيَ حُرُوفٌ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، اسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِنْهَا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ عَنْ ذِكْرِ بِوَاقِيهَا، الَّتِي هِيَ تَتِمَّةُ الثَّمَانِيَةُ وَالْعِشْرِينَ حَرْفًا، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: ابْنِي يَكْتُبُ فِي: اب ت ث، أَيْ: فِي حُرُوفِ الْمُعْجَمِ الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ فَيُسْتَغْنَى بِذِكْرِ بَعْضِهَا عَنْ مَجْمُوعِهَا. حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
قُلْتُ: مَجْمُوعُ الْحُرُوفِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ بِحَذْفِ الْمُكَرَّرِ مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا، وَهِيَ: ال م ص ر ك ي ع ط س ح ق ن، يَجْمَعُهَا قَوْلُكَ: نَصٌّ حَكِيمٌ قَاطِعٌ لَهُ سِرٌّ. وَهِيَ نِصْفُ الْحُرُوفِ عَدَدًا، وَالْمَذْكُورُ مِنْهَا أَشْرَفُ مِنَ الْمَتْرُوكِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ صِنَاعَةِ التَّصْرِيفِ.
[قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهَذِهِ الْحُرُوفُ الْأَرْبَعَةُ عَشَرَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَنْصَافِ أَجْنَاسِ الْحُرُوفِ يَعْنِي مِنَ الْمَهْمُوسَةِ وَالْمَجْهُورَةِ، وَمِنَ الرِّخْوَةِ وَالشَّدِيدَةِ، وَمِنَ الْمُطْبَقَةِ وَالْمَفْتُوحَةِ، وَمِنَ الْمُسْتَعْلِيَةِ وَالْمُنْخَفِضَةِ وَمِنْ حُرُوفِ الْقَلْقَلَةِ. وَقَدْ سَرَدَهَا مُفَصَّلَةً ثُمَّ قَالَ: فَسُبْحَانَ الَّذِي دَقَّتْ فِي كُلِّ شَيْءٍ حِكْمَتُهُ، وَهَذِهِ الْأَجْنَاسُ الْمَعْدُودَةُ ثَلَاثُونَ بِالْمَذْكُورَةِ مِنْهَا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مُعْظَمَ الشَّيْءِ وَجُلَّهُ يَنْزِلُ منزلة كله] (?) .