وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ، عَنْ أَبِي الجَلْد قَالَ: لَمَّا نَزَلَ بِهِمُ (?) الْعَذَابُ، جَعَلَ يَدُورُ عَلَى رُءُوسِهِمْ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، فَمَشَوْا إِلَى رَجُلٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَقَالُوا: عَلِّمْنَا دُعَاءً نَدْعُوا بِهِ، لَعَلَّ اللَّهَ يَكْشِفُ (?) عَنَّا الْعَذَابَ، فَقَالَ: قُولُوا: يَا حَيُّ حِينَ لَا حَيَّ، يَا مُحْيِي الْمَوْتَى (?) لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ. قَالَ: فَكَشَفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ.
وَتَمَامُ الْقِصَّةِ سَيَأْتِي مُفَصَّلًا فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100) }
يَقُولُ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ} -يَا مُحَمَّدُ -لَأَذِنَ لِأَهْلِ الْأَرْضِ كُلِّهِمْ فِي الْإِيمَانِ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ، فَآمَنُوا كُلُّهُمْ، وَلَكِنْ لَهُ حِكْمَةٌ فِيمَا يَفْعَلُهُ تَعَالَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هُودٍ: 118، 119] ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} [الرَّعْدِ: 31] ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ} أَيْ: تُلْزِمُهُمْ وَتُلْجِئُهُمْ {حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} أَيْ: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْكَ وَلَا إِلَيْكَ، بَلْ [إِلَى] (?) اللَّهِ {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فَاطِرٍ: 8] ، {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [الْبَقَرَةِ: 272] ، {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشُّعَرَاءِ: 3] ، {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [الْقَصَصِ:56] ، {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرَّعْدِ: 40] ، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصيْطِرٍ} [الْغَاشِيَةِ: 21، 22] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، الْهَادِي مَنْ يَشَاءُ، الْمُضِلُّ لِمَنْ يَشَاءُ، لِعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ} (?) وَهُوَ الْخَبَالُ (?) وَالضَّلَالُ، {عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} أَيْ: حججَ اللَّهِ وَأَدِلَّتَهُ، وَهُوَ الْعَادِلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ، فِي هِدَايَةِ مَنْ هَدَى، وَإِضْلَالِ مَنْ ضَلَّ.
{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103) }