84

وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالذُّرِّيَّةِ الْأَحْدَاثَ وَالشَّبَابَ (?) وَأَنَّهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَالْمَعْرُوفُ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كُلَّهُمْ آمَنُوا بِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَاسْتَبْشَرُوا بِهِ، وَقَدْ كَانُوا يَعْرِفُونَ نَعْتَهُ وَصِفَتَهُ وَالْبِشَارَةَ بِهِ مِنْ كُتُبِهِمُ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيُنْقِذُهُمْ بِهِ مِنْ أَسْرِ فِرْعَوْنَ وَيُظْهِرُهُمْ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا لَمَّا بَلَغَ هَذَا فِرْعَوْنَ حَذَر كُلَّ الْحَذَرِ فَلَمْ يُجْد عَنْهُ شَيْئًا. وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى آذَاهُمْ فِرْعَوْنُ (?) أَشَدَّ الْأَذَى، وَ {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الْأَعْرَافِ: 129] . وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَكَيْفَ يَكُونُ الْمُرَادُ إِلَّا ذُرِّيَّةً مِنْ قَوْمِ مُوسَى، وَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ؟.

{عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ} أَيْ: وَأَشْرَافِ قَوْمِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَنْ يَخَافُ مِنْهُ أَنْ يَفتِنَ عَنِ الْإِيمَانِ سِوَى قَارُونَ، فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى، فَبَغَى عَلَيْهِمْ؛ لَكِنَّهُ كَانَ طَاوِيًا (?) إِلَى فِرْعَوْنَ، مُتَّصِلًا بِهِ، مُتَعَلِّقًا بِحِبَالِهِ (?) وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: {وَمَلَئِهِمْ} عَائِدٌ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَعِظَمِ الْمُلْكِ (?) مِنْ أَجْلِ اتِّبَاعِهِ أَوْ بِحَذْفِ "آلِ" فِرْعَوْنَ، وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ -فَقَدْ أَبْعَدَ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ جَرِيرٍ قَدْ حَكَاهُمَا عَنْ بَعْضِ النُّحَاةِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مُؤْمِنٌ قَوْلُهُ تَعَالَى:

{وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) }

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ مُوسَى أَنَّهُ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: {يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} أَيْ: فَإِنَّ اللَّهَ كَافٍ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ، {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزُّمَرِ: 36] ، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطَّلَاقِ: 3] .

وَكَثِيرًا مَا يَقْرِنُ اللَّهُ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالتَّوَكُّلِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هُودٍ: 123] ، {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} [الْمُلْكِ: 29] ، {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا} [الْمُزَّمِّلِ: 9] ، وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا فِي كُلِّ صَلَوَاتِهِمْ (?) مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الْفَاتِحَةِ: 5] .

وَقَدِ امْتَثَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ ذَلِكَ، فَقَالُوا: {عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أَيْ: لَا تُظْفِرْهُمْ بِنَا، وَتُسَلِّطْهُمْ (?) عَلَيْنَا، فَيَظُنُّوا أَنَّهُمْ إِنَّمَا سُلِّطُوا لِأَنَّهُمْ على الحق ونحن على الباطل،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015