ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسرَّ إِلَى حُذَيْفَةَ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ: "سِتَّةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلة: سِرَاجٌ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، يَأْخُذُ فِي كَتِفِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يُفْضِيَ إِلَى صَدْرِهِ، وَسِتَّةٌ يَمُوتُونَ مَوْتًا". وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ إِذَا مَاتَ رَجُلٌ مِمَّنْ يُرى أَنَّهُ مِنْهُمْ، نَظَرَ إِلَى حُذَيْفَةَ، فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَإِلَّا تَرَكَهُ. وَذُكر لَنَا أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِحُذَيْفَةَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَمِنْهُمْ أَنَا؟ قَالَ: لَا. وَلَا أُومِنُ مِنْهَا أَحَدًا بَعْدَكَ. (?)
{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) }
لَمَّا بَيَّن تَعَالَى حَالَ الْمُنَافِقِينَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الغَزاة رَغْبَةً عَنْهَا وَتَكْذِيبًا وَشَكًّا، شَرَعَ فِي بَيَانِ حَالِ الْمُذْنِبِينَ الَّذِينَ تَأَخَّرُوا عَنِ الْجِهَادِ كَسَلًا وَمَيْلًا إِلَى الرَّاحَةِ، مَعَ إِيمَانِهِمْ وَتَصْدِيقِهِمْ بِالْحَقِّ، فَقَالَ: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} أَيْ: أَقَرُّوا بِهَا وَاعْتَرَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهم، وَلَهُمْ أَعْمَالٌ أخرَ صَالِحَةٌ، خَلَطُوا هَذِهِ بِتِلْكَ، فَهَؤُلَاءِ تَحْتَ عَفْوِ اللَّهِ وَغُفْرَانِهِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ -وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ مُعَيَّنِينَ -إِلَّا أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي كل المذنبين الخاطئين المخلصين الْمُتَلَوِّثِينَ.
وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابة لَمَّا قَالَ لِبَنِي قُرَيْظَةَ: إِنَّهُ الذَّبْحُ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَآخَرُونَ} نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبابة وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَبُو لُبَابَةَ وَخَمْسَةٌ مَعَهُ، وَقِيلَ: وَسَبْعَةٌ مَعَهُ، وَقِيلَ: وَتِسْعَةٌ مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَتِهِ (?) رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ بِسَوَارِي الْمَسْجِدِ، وَحَلَفُوا لَا يَحُلُّهُمْ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} أَطْلَقَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَفَا عَنْهُمْ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُؤمَّل بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا سَمُرَة بْنِ جُنْدَب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا: "أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ (?) فَابْتَعَثَانِي فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنٍ ذَهَبٍ ولَبِن فِضَّةٍ، فَتَلَقَّانَا رِجَالٌ شَطْر مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاء، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، قَالَا لَهُمْ: اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهْرِ. فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، قَالَا لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهَذَا مَنْزِلُكَ. قَالَا أَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطر مِنْهُمْ حَسَن وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ، فَإِنَّهُمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ".
هَكَذَا رَوَاهُ مختصرًا، في تفسير هذه الآية. (?)