وَقَالَ: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ:55، 56]
وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: بِزَكَاتِهَا، وَالنَّفَقَةِ مِنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: هَذَا مِنَ الْمُقَدَّمِ وَالْمُؤَخَّرِ، تَقْدِيرُهُ: فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ، [فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا] (?) إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا [فِي الْآخِرَةِ] (?)
وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ قَوْلَ الْحَسَنِ، وَهُوَ الْقَوْلُ القَوي الْحَسَنُ.
وَقَوْلُهُ: {وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} أَيْ: وَيُرِيدُ أَنْ يُمِيتَهُمْ حِينَ يُمِيتُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَنَكَى لَهُمْ وَأَشَدَّ لِعَذَابِهِمْ، عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الِاسْتِدْرَاجِ لَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ.
{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) }
يُخْبِرُ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، عَنْ جَزَعِهِمْ وَفَزَعِهِمْ وَفَرَقِهِمْ وَهَلَعِهِمْ أَنَّهُمْ {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ} يَمِينًا مُؤَكَّدَةً، {وَمَا هُمْ مِنْكُمْ} أَيْ: فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، {وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} أَيْ: فَهُوَ الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى الْحَلِفِ. {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً} أَيْ: حِصْنًا يَتَحَصَّنُونَ بِهِ، وَحِرْزًا يَحْتَرِزُونَ بِهِ، {أَوْ مَغَارَاتٍ} وَهِيَ الَّتِي فِي الْجِبَالِ، {أَوْ مُدَّخَلا} وَهُوَ السَّرَب فِي الْأَرْضِ والنفَق. قَالَ ذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ ابنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ: {لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} أَيْ: يُسْرِعُونَ فِي ذَهَابِهِمْ عَنْكُمْ، لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يُخَالِطُونَكُمْ كُرْهًا لَا مَحَبَّةً، وَوَدُّوا أَنَّهُمْ لَا يُخَالِطُونَكُمْ، وَلَكِنْ لِلضَّرُورَةِ أَحْكَامٌ؛ وَلِهَذَا لَا يَزَالُونَ فِي هَمٍّ وَحُزْنٍ وغَمٍّ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ لَا يَزَالُ فِي عِزٍّ وَنَصْرٍ وَرِفْعَةٍ؛ فَلِهَذَا كُلَّمَا سُرّ الْمُؤْمِنُونَ سَاءَهُمْ ذَلِكَ، فَهُمْ يَوَدُّونَ أَلَّا يُخَالِطُوا الْمُؤْمِنِينَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ}
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) }