قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} قَالَ: النَّسِيءُ أنَّ جُنادة بْنَ عَوْفِ بْنِ أُمَيَّةَ الْكِنَانِيَّ، كَانَ يُوَافِي الْمَوْسِمَ فِي كُلِّ عَامٍ، وَكَانَ يُكَنَّى "أَبَا ثُمَامة"، فَيُنَادِي: أَلَا إِنَّ أَبَا ثُمَامَةَ لَا يُحاب وَلَا يُعاب، أَلَا وَإِنَّ صَفَرَ الْعَامَ الْأَوَّلَ حَلَالٌ. فَيَحِلُّهُ لِلنَّاسِ، فَيُحَرِّمُ صَفَرًا عَامًا، وَيُحَرِّمُ الْمُحَرَّمَ عَامًا، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [إِلَى قَوْلِهِ: {الْكَافِرِينَ} وَقَوْلُهُ {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} ] (?) يَقُولُ: يَتْرُكُونَ الْمُحَرَّمَ عَامًا، وَعَامًا يُحَرِّمُونَهُ.
وَرَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ.
وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يَأْتِي كُلَّ عَامٍ إِلَى الْمَوْسِمِ عَلَى حِمَارٍ لَهُ، فَيَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي لَا أعاب ولا أجاب، وَلَا مَرَدّ لِمَا أَقُولُ، إِنَّا قَدْ حَرَّمنا المحرم، وأخرنا صفر. ثُمَّ يَجِيءُ الْعَامُ الْمُقْبِلُ بَعْدَهُ فَيَقُولُ مِثْلَ مقالته، ويقول: إنا قد حرمنا صفر، وَأَخَّرْنَا الْمُحَرَّمَ. فَهُوَ قَوْلُهُ: {لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} قَالَ: يَعْنِي الْأَرْبَعَةَ {فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} لِتَأْخِيرِ هَذَا الشَّهْرِ الْحَرَامِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، وَالضَّحَّاكِ، وقَتَادَةَ نَحْوَ هَذَا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} الْآيَةَ، قَالَ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُ: "القَلَمَّس"، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يغيرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، يَلْقَى الرَّجُلُ قَاتِلَ أَبِيهِ وَلَا يَمُدُّ إِلَيْهِ يَدَهُ، فَلَمَّا كَانَ هُوَ، قَالَ: اخْرُجُوا بِنَا. قَالُوا لَهُ: هَذَا الْمُحَرَّمُ! قَالَ: نَنْسَئُهُ الْعَامَ، هُمَا الْعَامُ صَفَرَانِ، فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْقَابِلُ قَضَيْنَا جَعَلْنَاهُمَا مُحرَّمين. قَالَ: فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ عَامَ قَابِلٍ قَالَ: لَا تغزُوا فِي صَفَرٍ، حَرِّمُوهُ مَعَ الْمُحَرَّمِ، هُمَا مُحَرَّمَانِ.
فَهَذِهِ صِفَةٌ غَرِيبَةٌ فِي النَّسِيءِ، وَفِيهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ فِي عَامٍ إِنَّمَا يُحَرِّمُونَ عَلَى هَذَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَقَطْ، وَفِي الْعَامِ الَّذِي يَلِيهِ يُحَرِّمُونَ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ صِفَةٌ أُخْرَى غَرِيبَةٌ أَيْضًا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} الْآيَةَ، قَالَ: فَرَضَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، الْحَجَّ فِي ذِي الْحِجَّةِ. قَالَ: وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُسَمُّونَ الْأَشْهُرَ ذَا الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمَ، وصفر، وربيع، وربيع، وجمادى، وجمادى، ورجب، وَشَعْبَانَ، وَرَمَضَانَ، وَشَوَّالًا (?) وَذَا الْقَعْدَةِ. وَذَا الْحِجَّةِ يَحُجُّونَ فِيهِ مَرَّةً أُخْرَى ثُمَّ يَسْكُتُونَ عَنِ المحرم ولا يذكرونه، ثم يعودون فيسمون صفر صفر، ثم يسمون رجب جُمَادَى الْآخِرَةَ، ثُمَّ يُسَمُّونَ شَعْبَانَ رَمَضَانَ، ثُمَّ يُسَمُّونَ شَوَّالًا رَمَضَانَ، ثُمَّ يُسَمُّونَ ذَا الْقَعْدَةِ شوالا