47

[فوددت تقبيل السيوف لأنهالمعت كَبَارِقِ ثَغْرِكِ الْمُتَبَسِّمِ] (?)

فَأَمَرَ تَعَالَى بِالثَّبَاتِ عِنْدَ قِتَالِ الْأَعْدَاءِ وَالصَّبْرِ عَلَى مُبَارَزَتِهِمْ، فَلَا يَفِرُّوا وَلَا يَنْكُلُوا وَلَا يَجْبُنُوا، وَأَنْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَلَا يَنْسَوْهُ بَلْ يَسْتَعِينُوا (?) بِهِ وَيَتَّكِلُوا عَلَيْهِ، وَيَسْأَلُوهُ النَّصْرَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَأَنْ يُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي حَالِهِمْ ذَلِكَ. فَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ ائْتَمَرُوا، وَمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ انْزَجَرُوا، وَلَا يَتَنَازَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ أَيْضًا فَيَخْتَلِفُوا فَيَكُونَ سَبَبًا لِتَخَاذُلِهِمْ وَفَشَلِهِمْ.

{وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} أَيْ: قُوَّتُكُمْ وَحِدَّتُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْإِقْبَالِ، {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}

وَقَدْ كَانَ لِلصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -فِي بَابِ الشَّجَاعَةِ وَالِائْتِمَارِ بِأَمْرِ (?) اللَّهِ، وَامْتِثَالِ مَا أَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ -مَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ وَالْقُرُونِ قَبْلَهُمْ، وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ بِبَرَكَةِ الرَّسُولِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَهُمْ، فَتَحُوا الْقُلُوبَ (?) وَالْأَقَالِيمَ شَرْقًا وَغَرْبًا فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ، مَعَ قِلَّةِ عَدَدهم بِالنِّسْبَةِ إِلَى جُيُوشِ سَائِرِ الْأَقَالِيمِ، مِنَ الرُّومِ وَالْفُرْسِ وَالتُّرْكِ وَالصَّقَالِبَةِ وَالْبَرْبَرِ والحبُوش وَأَصْنَافِ السُّودَانِ والقبْط، وَطَوَائِفِ بَنِي آدَمَ، قَهَرُوا الْجَمِيعَ حَتَّى عَلَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ، وَظَهَرَ دِينُهُ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ، وَامْتَدَّتِ (?) الْمَمَالِكُ الْإِسْلَامِيَّةُ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً، فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ أَجْمَعِينَ، وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِمْ، إِنَّهُ كَرِيمٌ وَهَّابٌ.

{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) }

يَقُولُ تَعَالَى بَعْدَ أَمْرِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِخْلَاصِ فِي الْقِتَالِ فِي سَبِيلِهِ وَكَثْرَةِ ذِكْرِهِ، نَاهِيًا لَهُمْ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالْمُشْرِكِينَ فِي خُرُوجِهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ {بَطَرًا} أَيْ: دَفْعًا لِلْحَقِّ، {وَرِئَاءَ النَّاسِ} وَهُوَ: الْمُفَاخَرَةُ وَالتَّكَبُّرُ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ أَبُو جَهْلٍ -لَمَّا قِيلَ لَهُ: إِنَّ الْعِيرَ قَدْ نَجَا فَارْجِعُوا -فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَرِدَ مَاءَ بَدْرٍ، وَنَنْحَرَ الجُزُر، وَنَشْرَبَ الْخَمْرَ، وَتَعْزِفَ (?) عَلَيْنَا الْقِيَانُ، وَتَتَحَدَّثَ الْعَرَبُ بِمَكَانِنَا فِيهَا يَوْمَنَا أَبَدًا، فَانْعَكَسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَجْمَعُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا وَرَدُوا مَاءَ بَدْرٍ وَرَدُوا بِهِ الْحِمَامَ، ورُمُوا فِي أَطْوَاءِ بَدْرٍ مُهَانِينَ أَذِلَّاءَ، صَغَرَةً أَشْقِيَاءَ فِي عَذَابٍ سَرْمَدِيٍّ أَبَدِيٍّ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} أَيْ: عَالِمٌ بِمَا جَاءُوا بِهِ وَلَهُ، وَلِهَذَا جَازَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ شَرَّ الْجَزَاءِ لهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015