الْأَسْوَدِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بشَّار، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ أَبِي بِشْر، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر قَالَ: قَتَل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ صَبْرًا عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْط وطُعَيْمة بْنَ عَدِي، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ. وَكَانَ الْمِقْدَادُ أَسَرَ النَّضْرَ، فَلَمَّا أَمَرَ بِقَتْلِهِ، قَالَ الْمِقْدَادُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسِيرِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، مَا يَقُولُ". فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ (?) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسِيرِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ أَغْنِ الْمِقْدَادَ مِنْ فَضْلِكَ". فَقَالَ الْمِقْدَادُ: هَذَا الَّذِي أَرَدْتُ. قَالَ: وَفِيهِ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} (?)

وَكَذَا رَوَاهُ هُشَيْم، عَنْ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيّة، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر؛ أَنَّهُ قَالَ: "الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ" "بَدَلَ طُعَيْمَةَ" (?) وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ لَمْ يَكُنْ حَيًّا يَوْمَ بَدْرٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ: "لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ (?) حَيًّا، ثُمَّ سَأَلَنِي (?) فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى (?) لَوَهَبْتُهُمْ لَهُ" (?) -يَعْنِي: الْأُسَارَى -لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَجَارَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ رَجَعَ مِنَ الطَّائِفِ.

وَمَعْنَى: {أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} وَهُوَ جَمْعُ أُسْطُورَةٍ، أَيْ: كُتُبُهُمُ اقْتَبَسَهَا، فَهُوَ يَتَعَلَّمُ مِنْهَا وَيَتْلُوهَا عَلَى النَّاسِ. وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ الْبَحْتُ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا قُلْ أَنزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [الْفُرْقَانِ: 5، 6] .أَيْ: لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ وَأَنَابَ؛ فَإِنَّهُ يَتَقَبَّلُ مِنْهُ وَيَصْفَحُ عَنْهُ.

وَقَوْلُهُ: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} هَذَا مِنْ كَثْرَةِ جَهْلِهِمْ وعُتُوِّهم وَعِنَادِهِمْ وَشِدَّةِ تَكْذِيبِهِمْ، وَهَذَا مِمَّا عِيبُوا بِهِ، وَكَانَ الْأَوْلَى لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: "اللَّهُمَّ، إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، فَاهْدِنَا لَهُ، وَوَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِهِ". وَلَكِنِ اسْتَفْتَحُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَاسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ، وَتَقْدِيمَ الْعُقُوبَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [الْعَنْكَبُوتِ:53] ، {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص:16] ، {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} [الْمَعَارِجِ: 1-3] ،وَكَذَلِكَ قَالَ الْجَهَلَةُ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، كَمَا قَالَ قَوْمُ شُعَيْبٍ لَهُ: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشُّعَرَاءِ: 187] ،وَقَالَ هَؤُلَاءِ: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015