فَيَبْتَدِئُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَوَّلِ الْبَيْتِ، وَيَسْتَطْعِمُ أَبَا بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِنْشَادَ آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُحْسِنُ إِنْشَادَ الشِّعْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69] .

وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: كَانَ النَّاسُ يَوْمَ بَدْرٍ يَعْرِفُونَ قَتْلَى الْمَلَائِكَةِ مِمَّنْ قَتَلُوا هُمْ بِضَرْبٍ فَوْقَ الْأَعْنَاقِ، وَعَلَى الْبَنَانِ مِثْلَ سِمَةِ النَّارِ قَدِ أُحْرِقَ بِهِ.

وَقَوْلُهُ: {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: مَعْنَاهُ: وَاضْرِبُوهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ عَدُوِّكُمْ كُلَّ طَرَفٍ ومَفْصِل مِنْ أَطْرَافِ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ. و "الْبَنَانُ": جَمْعُ بَنَانَةٍ، كَمَا قال الشاعر (?) أَلا لَيْتَنِي قَطَّعْتُ مِنْهُ بَنَانَةًوَلاقَيْتُهُ فِي الْبَيْتِ يَقْظَانَ حَاذِرَا

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} يَعْنِي بِالْبَنَانِ: الْأَطْرَافَ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ وَابْنُ جُرَيْجٍ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْبَنَانُ: الْأَطْرَافُ، وَيُقَالُ: كُلُّ مَفْصِل.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ، وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَالضَّحَّاكُ -فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى-: كُلُّ مِفْصَلٍ.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} قَالَ: اضْرِبْ مِنْهُ الْوَجْهَ وَالْعَيْنَ، وَارْمِهِ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ، فَإِذَا أَخَذْتَهُ حَرُمَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَيْكَ.

وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -فَذَكَرَ قِصَّةَ بَدْرٍ إِلَى أَنْ قَالَ-: فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: لَا تَقْتُلُوهُمْ قَتْلًا وَلَكِنْ خُذُوهُمْ أَخْذًا، حَتَّى تُعَرِّفُوهُمُ الَّذِي صَنَعُوا مِنْ طَعْنِهِمْ فِي دِينِكُمْ، وَرَغْبَتِهِمْ عَنِ اللَّاتِ وَالْعُزَّى. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ: {أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} فَقُتِلَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ، فِي تِسْعَةٍ وَسِتِّينَ رَجُلًا وَأُسِرَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْط فَقُتِلَ صَبْرًا، فَوَفَّى ذَلِكَ سَبْعِينَ -يَعْنِي: قَتِيلًا.

وَلِذَلِكَ قَالَ [اللَّهُ] (?) تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أَيْ: خَالَفُوهُمَا فَسَارُوا فِي شَقٍّ، وَتَرَكُوا الشَّرْعَ وَالْإِيمَانَ بِهِ وَاتِّبَاعَهُ فِي شَقٍّ -وَهُوَ مَأْخُوذٌ أَيْضًا مِنْ شَقِّ الْعَصَا، وَهُوَ جَعْلُهَا فِرْقَتَيْنِ - {وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} أَيْ: هُوَ الطَّالِبُ الْغَالِبُ لِمَنْ خَالَفَهُ وَنَاوَأَهُ، لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ، وَلَا يَقُومُ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.

{ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ} هَذَا خِطَابٌ لِلْكُفَّارِ أَيْ: ذُوقُوا هَذَا الْعَذَابَ وَالنَّكَالَ فِي الدُّنْيَا، وَاعْلَمُوا أَيْضًا أَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015