قال: ما أدري أنجا الَّذِينَ قَالُوا: "أَتَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ"، أَمْ لَا؟ قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى عرَّفته أَنَّهُمْ نَجَوْا، فَكَسَانِي حُلَّةً.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْج، حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: جِئْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَوْمًا وَهُوَ يَبْكِي، وَإِذَا (?) الْمُصْحَفُ فِي حِجْرِهِ، فَأَعْظَمْتُ أَنْ أَدْنُوَ، ثُمَّ لَمْ أَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَقَدَّمْتُ فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبَّاسٍ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الْوَرَقَاتِ. قَالَ: وَإِذَا هُوَ فِي "سُورَةِ الْأَعْرَافِ"، قَالَ: تَعْرِفُ (?) أَيْلَةَ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهُ كَانَ بِهَا حَيٌّ مِنْ يَهُودَ سِيقَتِ الْحِيتَانُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ، ثُمَّ غَاصَتْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهَا حَتَّى يَغُوصُوا بَعْدَ كَدٍّ وَمُؤْنَةٍ شَدِيدَةٍ، كَانَتْ تَأْتِيهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ شُرَّعًا بِيضًا سِمَانًا كَأَنَّهَا الْمَاخِضُ، تَتَبَطَّحُ (?) ظُهُورُهَا لِبُطُونِهَا بِأَفْنِيَتِهِمْ. فَكَانُوا كَذَلِكَ بُرْهَةً مِنَ الدَّهْرِ، ثُمَّ إِنِ الشَّيْطَانَ أَوْحَى إِلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنَّمَا نُهِيتُمْ عَنْ أَكْلِهَا يَوْمَ السَّبْتِ، فَخُذُوهَا فِيهِ، وَكُلُوهَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ. فَقَالَتْ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ نُهِيتُمْ عَنْ أَكْلِهَا وَأَخْذِهَا وَصَيْدِهَا يَوْمَ السَّبْتِ. فَكَانُوا كَذَلِكَ، حَتَّى جَاءَتِ الْجُمُعَةُ الْمُقْبِلَةُ، فَغَدَتْ طَائِفَةٌ بِأَنْفُسِهَا وَأَبْنَائِهَا وَنِسَائِهَا، وَاعْتَزَلَتْ طَائِفَةٌ ذَاتَ الْيَمِينِ، وَتَنَحَّتْ وَاعْتَزَلَتْ طَائِفَةٌ ذَاتَ الْيَسَارِ وَسَكَتَتْ. وَقَالَ الْأَيْمَنُونَ: وَيَلْكُمُ، اللَّهَ، اللَّهَ نَنْهَاكُمْ أَنْ (?) تَتَعَرَّضُوا لِعُقُوبَةِ اللَّهِ. وَقَالَ الْأَيْسَرُونَ: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} ؟ قَالَ الْأَيْمَنُونَ: {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} إِنْ يَنْتَهُوا فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْنَا أَلَّا يُصَابُوا وَلَا يَهْلِكُوا، وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا فَمَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ. فَمَضَوْا عَلَى الْخَطِيئَةِ، وَقَالَ الْأَيْمَنُونَ: فَقَدْ (?) فَعَلْتُمْ، يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ. وَاللَّهِ لَا نُبَايِتُكُمُ (?) اللَّيْلَةَ فِي مَدِينَتِكُمْ، وَاللَّهِ مَا نَرَاكُمْ تُصْبِحُونَ حَتَّى يُصَبِّحَكُمُ اللَّهُ بِخَسْفٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ بَعْضِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْعَذَابِ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا ضَرَبُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ وَنَادَوْا، فَلَمْ يُجَابُوا، فَوَضَعُوا سُلَّمًا، وَأَعْلَوْا سُورَ الْمَدِينَةِ رَجُلًا فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ، قِرَدَةٌ وَاللَّهِ تُعَاوِي لَهَا أَذْنَابٌ. قَالَ: فَفَتَحُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِمْ، فَعَرَفَتِ الْقُرُودُ أَنْسَابَهَا (?) مِنَ الْإِنْسِ، وَلَا تَعْرِفُ الْإِنْسُ أَنْسَابَهَا مِنَ الْقِرَدَةِ، فَجَعَلَتِ الْقُرُودُ يَأْتِيهَا نَسِيبُهَا (?) مِنَ الْإِنْسِ فَتَشُمُّ ثِيَابَهُ وَتَبْكِي، فَتَقُولُ: أَلَمْ نَنْهَكُمْ عَنْ كَذَا؟ فَتَقُولُ بِرَأْسِهَا، أَيْ نَعَمْ. ثُمَّ قَرَأَ (?) ابْنُ عَبَّاسٍ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} قَالَ: فَأَرَى الَّذِينَ نَهَوْا قَدْ نَجَوْا، وَلَا أَرَى الْآخَرِينَ ذُكِرُوا، وَنَحْنُ نَرَى أَشْيَاءَ نُنْكِرُهَا وَلَا نَقُولُ فِيهَا؟. قَالَ: قُلْتُ: جَعَلَنِي اللَّهُ فَدَاكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَدْ كَرِهُوا مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَخَالَفُوهُمْ وَقَالُوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ} ؟ قَالَ: فَأَمَرَ لِي فَكُسِيتُ ثَوْبَيْنِ غَلِيظَيْنِ (?)
وَكَذَا رَوَى مُجَاهِدٌ، عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، أَخْبَرَنَا أَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عن مالك، قال: زعم ابن رومان