وَقَوْلُهُ: {إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ} أَيِ: ابْتِلَاؤُكَ وَاخْتِبَارُكَ وَامْتِحَانُكَ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَرَبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. وَلَا مَعْنَى لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ؛ يَقُولُ: إِنِ الأمرُ إِلَّا أمرُك، وَإِنِ الحكمُ إِلَّا لَكَ، فَمَا شِئْتَ كَانَ، تَضِلُّ مَنْ تَشَاءُ، وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ، وَلَا هَادِيَ لِمَنْ أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِل لِمَنْ هَدَيت، وَلَا مُعطِي لِمَا مَنَعت، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، فَالْمُلْكُ كُلُّهُ لَكَ، وَالْحُكْمُ كُلُّهُ لَكَ، لَكَ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ.

وَقَوْلُهُ: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} الغَفْر هُوَ: السَّتْرُ، وَتَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالذَّنْبِ، وَالرَّحْمَةُ إِذَا قُرِنَتْ مَعَ الْغَفْرِ، يُرَادُ بِهَا أَلَّا يُوقِعَهُ فِي مِثْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، {وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} أَيْ: لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ} هُنَاكَ الْفَصْلُ الْأَوَّلُ مِنَ الدُّعَاءِ دَفْعُ الْمَحْذُورِ، وَهَذَا لِتَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ} أَيْ: أَوْجِبْ لَنَا وَأَثْبِتْ لَنَا فِيهِمَا حَسَنَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ [تَفْسِيرُ] (?) ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. [الْآيَةَ:201]

{إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} أَيْ: تُبْنَا وَرَجَعْنَا وَأَنَبْنَا إِلَيْكَ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَير، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَالضَّحَّاكُ، وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، والسُّدِّي، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَهُوَ كَذَلِكَ لُغَة.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيع، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجيَّ (?) عَنْ عَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (?) قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَتِ الْيَهُودُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}

جَابِرٌ -هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الجُعْفي -ضَعِيفٌ.

قَالَ تَعَالَى مُجِيبًا لِمُوسَى فِي قَوْلِهِ: {إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ [تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ] } (?) الْآيَةَ: {عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ] } (?) أَيْ: أَفْعَلُ مَا أَشَاءُ، وَأَحْكُمُ مَا أُرِيدُ، وَلِيَ الْحِكْمَةُ وَالْعَدْلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ، سُبْحَانَهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} آيَةٌ عَظِيمَةُ الشُّمُولِ وَالْعُمُومِ، كَقَوْلِهِ إِخْبَارًا عَنْ حَمَلة الْعَرْشِ وَمَنْ حَوْلَهُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غَافِرٍ:7]

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الجُرَيري، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الجُشَمي، حَدَّثَنَا جُنْدُب -هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ البَجَلي، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ عَقَلها ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى رَاحِلَتَهُ فَأَطْلَقَ عِقَالَهَا، ثُمَّ رَكِبَهَا، ثُمَّ نَادَى: اللَّهُمَّ، ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلَا تُشْرِكْ فِي رَحْمَتِنَا أَحَدًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَقُولُونَ هَذَا أَضَلُّ أَمْ بَعِيرُهُ؟ أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ؟ " قَالُوا: بَلَى. قَالَ: "لَقَدْ حَظَرْت (?) رَحْمَةً وَاسِعَةً؛ إن الله، عز

طور بواسطة نورين ميديا © 2015