وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو غَسَّانَ الْكِنَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْجَلْدِ بْنِ أيوب، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّة، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَمَّا تَجَلَّى اللَّهُ لِلْجِبَالِ (?) طَارَتْ لِعَظَمَتِهِ سِتَّةُ أَجْبُلٍ، فَوَقَعَتْ ثَلَاثَةٌ بِالْمَدِينَةِ وَثَلَاثَةٌ بِمَكَّةَ، بِالْمَدِينَةِ: أُحُدٌ، وَوَرْقَانُ، وَرَضْوَى. وَوَقَعَ بِمَكَّةَ: حِرَاءٌ، وثَبِير، وَثَوْرٌ".
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، بَلْ مُنْكَرٌ (?)
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكِرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الثَّلْجِ، حَدَّثَنَا الهَيْثَم بْنُ خَارِجَةَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حُصَين بْنِ عَلاق، عَنْ عُرْوة بْنِ رُوَيم قَالَ: كَانَتِ الْجِبَالُ قَبْلَ أَنْ يَتَجَلَّى اللَّهُ لِمُوسَى عَلَى الطُّورِ صُمًا مُلْسا، فَلَمَّا تَجَلَّى اللَّهُ لِمُوسَى عَلَى الطُّورِ دُكَّ (?) وَتَفَطَّرَتِ الْجِبَالُ فَصَارَتِ الشُّقُوقُ وَالْكُهُوفُ.
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} وَذَلِكَ أَنَّ الْجَبَلَ حِينَ كُشِفَ الْغِطَاءُ وَرَأَى النُّورَ، صَارَ مِثْلَ دَكٍّ مِنَ الدِّكَاكِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {جَعَلَهُ دَكًّا} أَيْ: فَتَّتَهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} فَإِنَّهُ أَكْبَرُ مِنْكَ وَأَشَدُّ خَلْقًا، {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} فَنَظَرَ إِلَى الْجَبَلِ لَا يَتَمَالَكُ، وَأَقْبَلَ الْجَبَلُ فَدُكَّ عَلَى أَوَّلِهِ، وَرَأَى مُوسَى مَا يَصْنَعُ الْجَبَلُ، فَخَرَّ صَعِقًا.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {جَعَلَهُ دَكًّا} قَالَ: نَظَرَ اللَّهُ إِلَى الْجَبَلِ، فَصَارَ صَحْرَاءَ تُرَابًا.
وَقَدْ قَرَأَ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ بَعْضُ الْقُرَّاءِ، وَاخْتَارَهَا ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهَا حديث مرفوع، رواه بن مَرْدَوَيْهِ.
وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ "الصَّعْق" هُوَ الْغَشْيُ هَاهُنَا، كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، لَا كَمَا فَسَّرَهُ قَتَادَةُ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا فِي اللُّغَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزُّمَرِ:68] فَإِنَّ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْمَوْتِ كَمَا أَنَّ هُنَا قَرِينَةً تَدُلُّ عَلَى الْغَشْيِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: {فَلَمَّا أَفَاقَ} وَالْإِفَاقَةُ إِنَّمَا تَكُونُ مِنْ (?) غَشْيٍّ.
{قَالَ سُبْحَانَكَ} تَنْزِيهًا وَتَعْظِيمًا وَإِجْلَالًا أَنْ يَرَاهُ أَحَدٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَاتَ.
وَقَوْلُهُ: {تُبْتُ إِلَيْكَ} قال مجاهد: أن أسألك الرؤية.