100

أَيْ: مَا آمَنَتْ قَرْيَةٌ بِتَمَامِهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ، فَإِنَّهُمْ آمَنُوا، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا عَايَنُوا الْعَذَابَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصَّافَّاتِ:147، 148] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ [إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (?) ] } [سَبَأٍ:34]

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا} أَيْ: آمَنَتْ قُلُوبُهُمْ بِمَا جَاءَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ، وَصَدَّقَتْ بِهِ وَاتَّبَعَتْهُ، وَاتَّقَوْا بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ} أَيْ: قَطْرَ السَّمَاءِ وَنَبَاتَ الْأَرْضِ. قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أَيْ: وَلَكِنْ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، فَعَاقَبْنَاهُمْ بِالْهَلَاكِ عَلَى مَا كَسَبُوا مِنَ الْمَآثِمِ وَالْمَحَارِمِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخَوِّفًا وَمُحَذِّرًا مِنْ مُخَالَفَةِ أَوَامِرِهِ، وَالتَّجَرُّؤِ عَلَى زَوَاجِرِهِ: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى} أَيِ: الْكَافِرَةِ {أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا} أَيْ: عَذَابُنَا وَنَكَالُنَا، {بَيَاتًا} أَيْ: لَيْلًا {وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} أَيْ: فِي حَالِ شُغْلِهِمْ وَغَفْلَتِهِمْ، {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} أَيْ: بَأْسَهُ وَنِقْمَتَهُ وَقُدْرَتَهُ عَلَيْهِمْ وَأَخْذَهُ إِيَّاهُمْ فِي حَالِ سَهْوِهِمْ وَغَفْلَتِهِمْ {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمُؤْمِنُ يَعْمَلُ بِالطَّاعَاتِ وَهُوَ مُشْفِق وَجِل خَائِفٌ، وَالْفَاجِرُ يَعْمَلُ بِالْمَعَاصِي وَهُوَ آمِنٌ.

{أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100) }

قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا} أَوَ لَمْ نُبَيًن، [وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَوَ لَمْ نُبَيِّنْ] (?) لَهُمْ أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ.

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهَا: يقول (?) تعالى: أو لم نبيِّن لِلَّذِينِ يُسْتَخْلَفُونَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِ إِهْلَاكِ آخَرِينَ قَبْلَهُمْ كَانُوا أَهْلَهَا، فَسَارُوا سِيرَتَهُمْ، وَعَمِلُوا أَعْمَالَهُمْ، وَعَتَوْا عَلَى رَبِّهِمْ: {أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} يَقُولُ: أَنْ لَوْ نَشَاءُ فَعَلْنَا بِهِمْ كَمَا فَعَلْنَا بِمَنْ قَبْلِهِمْ، {وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} يَقُولُ: وَنَخْتِمُ عَلَى قُلُوبِهِمْ {فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} مَوْعِظَةً وَلَا تَذْكِيرًا.

قُلْتُ: وَهَكَذَا قَالَ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأولِي النُّهَى} [طه:128] وَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ} [السَّجْدَةِ:29] وَقَالَ {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ. وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمْثَالَ] (?) } [إِبْرَاهِيمَ:44، 45] وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} [مريم:98]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015