يَا رَبِّ أَيْنَ أُمِّي؟ وَيُقَالُ: إِنَّهُ رَغَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَإِنَّهُ دَخَلَ فِي صَخْرَةٍ فَغَابَ فِيهَا، وَيُقَالُ: بَلِ اتَّبَعُوهُ فَعَقَرُوهُ مَعَ أُمِّهِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ (?)
فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ وَفَرَغُوا مِنْ عَقْرِ النَّاقَةِ، بَلَغَ الْخَبَرُ صَالِحًا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَجَاءَهُمْ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ، فَلَمَّا رَأَى النَّاقَةَ بَكَى وَقَالَ: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ [ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (?) ] } [هُودٍ:65] وَكَانَ قَتْلُهُمُ النَّاقَةَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، فَلَمَّا أَمْسَى أُولَئِكَ التِّسْعَةُ الرَّهْطُ عَزَمُوا عَلَى قَتْلِ صَالِحٍ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (?) وَقَالُوا: إِنْ كَانَ صَادِقًا عَجَّلناه قَبْلَنَا، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا أَلْحَقْنَاهُ بِنَاقَتِهِ! {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ. وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} (?) الْآيَةَ. [النَّمْلِ:49-52]
فَلَمَّا عَزَمُوا على ذلك، وتواطؤوا عَلَيْهِ، وَجَاءُوا مِنَ اللَّيْلِ لِيَفْتِكُوا بِنَبِيِّ اللَّهِ صَالِحٍ، أَرْسَلَ اللَّهُ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلَهُ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ، عَلَيْهِمْ حِجَارَةً فرضَختهم سَلَفًا وَتَعْجِيلًا قَبْلَ قَوْمِهِمْ، وَأَصْبَحَ ثَمُودُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنْ أَيَّامِ النَّظرة، وَوُجُوهُهُمْ مُصْفَرَّةٌ كَمَا وَعَدَهُمْ صَالِحٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَصْبَحُوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّأْجِيلِ، وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَوُجُوهُهُمْ مُحَمَّرَةٌ، وَأَصْبَحُوا (?) فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ الْمَتَاعِ (?) وَهُوَ يَوْمُ السَّبْتِ، وَوُجُوهُهُمْ مُسَوَّدَةٌ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا مِنْ يَوْمِ الْأَحَدِ وَقَدْ تحَنَّطوا وَقَعَدُوا يَنْتَظِرُونَ نِقْمَةَ اللَّهِ وَعَذَابَهُ، عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، لَا يَدْرُونَ مَاذَا يُفْعَلُ بِهِمْ، ولا كيف يأتيهم العذاب؟ و [قد] (?) أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ، جَاءَتْهُمْ صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ ورَجْفة شَدِيدَةٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَفَاضَتِ الْأَرْوَاحُ وَزَهَقَتِ النُّفُوسُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ {فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} أَيْ: صَرْعَى لَا أَرْوَاحَ فِيهِمْ، وَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، لَا صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ، لَا ذَكَرٌ وَلَا أُنْثَى -قَالُوا: إِلَّا جَارِيَةً كانت مقعدة -واسمها "كلبة بنة السّلْق"، وَيُقَالُ لَهَا: "الزُّرَيْقَةُ" (?) -وَكَانَتْ كَافِرَةً شَدِيدَةَ الْعَدَاوَةِ لِصَالِحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا رَأَتْ مَا رَأَتْ مِنَ الْعَذَابِ، أُطلِقَت رِجْلَاهَا، فَقَامَتْ تَسْعَى كَأَسْرَعِ شَيْءٍ، فَأَتَتْ حَيًّا مِنَ الْأَحْيَاءِ فَأَخْبَرَتْهُمْ بِمَا رَأَتْ وَمَا حَلَّ بِقَوْمِهَا، ثُمَّ اسْتَسْقَتْهُمْ مِنَ الْمَاءِ، فَلَمَّا شَرِبَتْ، مَاتَتْ.
قَالَ عُلَمَاءُ التَّفْسِيرِ: وَلَمْ يَبْقَ مِنْ ذُرِّيَّةِ ثَمُودَ أَحَدٌ، سِوَى صَالِحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَنِ اتَّبَعَهُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، إِلَّا أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: "أَبُو رِغال"، كَانَ لَمَّا وَقَعَتِ النِّقْمَةُ بِقَوْمِهِ مقيما فِي الْحَرَمِ، فَلَمْ يَصِبْهُ شَيْءٌ، فَلَمَّا خَرَجَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ إِلَى الْحِلِّ، جَاءَهُ حَجَرٌ مِنَ السَّمَاءِ فَقَتَلَهُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْقِصَّةِ حَدِيثُ "جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ" فِي ذَلِكَ، وَذَكَرُوا أَنَّ أَبَا رِغَالٍ هَذَا هُوَ والد