{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) }
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ خالق (?) السموات وَالْأَرْضِ، وَأَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ الْحَاكِمُ المدبِّر المسخِّر، وَأَرْشَدَ إِلَى دُعَائِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَادِرٌ -نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ الرَّزَّاقُ، وَأَنَّهُ يُعِيدُ الْمَوْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ: " وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نشْرًا " أَيْ: نَاشِرَةً بَيْنَ يَدَيِ السَّحَابِ الْحَامِلِ لِلْمَطَرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَأَ {بُشْرًا} كَقَوْلِهِ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الرُّومِ:46]
وَقَوْلُهُ: {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} أَيْ: بَيْنَ يَدَيِ الْمَطَرِ، كَمَا قَالَ: {وَهُوَ الَّذِي يُنزلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشُّورَى:28] وَقَالَ {فَانْظُرْ إِلَى أَثَر رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الرُّومِ:50] (?)
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا} أَيْ: حَمَلَتِ الرِّيَاحُ سَحَابًا ثِقَالًا أَيْ: مِنْ كَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنَ الْمَاءِ، تَكُونُ ثَقِيلَةً قَرِيبَةً مِنَ الْأَرْضِ مُدْلَهِمَّةً، كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وأسلمتُ وجْهِي لمنْ أسْلَمَتْ ... لَهُ المُزْنُ تَحْمل عَذْبا زُلالا ...
وأسلَمْتُ وَجْهي لِمَنْ أسلَمَتْ ... لَهُ الْأَرْضُ تحملُ صَخرًا ثِقَالًا (?)
وَقَوْلُهُ: {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} أَيْ: إِلَى أَرْضٍ مَيِّتَةٍ، مُجْدِبَةٍ (?) لَا نَبَاتَ فِيهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا [وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (?) ] } [يس:33] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى} أَيْ: كَمَا أَحْيَيْنَا هَذِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، كَذَلِكَ نُحْيِي الْأَجْسَادَ بَعْدَ صَيْرُورَتِهَا رَمِيمًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُنَزِّلُ اللَّهُ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مَاءً مِنَ السَّمَاءِ، فَتُمْطِرُ الْأَرْضَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَتَنْبُتُ مِنْهُ الْأَجْسَادُ فِي قُبُورِهَا كَمَا يَنْبُتُ الْحَبُّ فِي الْأَرْضِ. وَهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، يَضْرِبُ اللَّهُ مَثَلًا لِلْقِيَامَةِ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
وَقَوْلُهُ: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} أَيْ: وَالْأَرْضُ الطَّيِّبَةُ يَخْرُجُ نَبَاتُهَا سَرِيعًا حَسَنًا، كَمَا قَالَ: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} [آلِ عِمْرَانَ:37]
{وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا} قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: كَالسِّبَاخِ وَنَحْوِهَا.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ: هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر.