أَسْهَرْتُ لَيْلَكَ وَأَظْمَأْتُ نَهَارَكَ (?) وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ، فِي قِصَّةِ سُؤَالِ الْقَبْرِ: "فَيَأْتِي الْمُؤْمِنَ شابٌّ حَسَنُ اللَّوْنِ طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ" (?) وَذَكَرَ عَكْسَهُ فِي شَأْنِ الْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ.
وَقِيلَ: يُوزَنُ كِتَابُ الْأَعْمَالِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْبِطَاقَةِ، فِي الرَّجُلِ الَّذِي يُؤْتَى بِهِ وَيُوضَعُ لَهُ فِي كِفَّة تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلّ مَدّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِتِلْكَ الْبِطَاقَةِ فِيهَا: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَمَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تُظلَم. فَتُوضَعُ تِلْكَ الْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَطاشَت السِّجِلَّاتُ، وثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ".
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا (?) وَصَحَّحَهُ.
وَقِيلَ: يُوزَنُ صَاحِبُ الْعَمَلِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ: "يُؤتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالرَّجُلِ السَّمِين، فَلَا يَزِن عِنْدَ اللَّهِ جَنَاح بَعُوضَة" (?) ثُمَّ قَرَأَ: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الْكَهْفِ: 105] .
وَفِي مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ دِقَّة ساقَيْهِ، فَوَالَّذِي (?) نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ أُحُدٍ" (?)
وَقَدْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْآثَارِ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ صَحِيحًا، فَتَارَةً (?) تُوزَنُ الْأَعْمَالُ، وَتَارَةً تُوزَنُ مَحَالُّهَا، وَتَارَةً يُوزَنُ فَاعِلُهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
{وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (10) }
يَقُولُ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى عَبِيدِهِ (?) فِيمَا مَكَّنَ لَهُمْ مِنْ أَنَّهُ جَعَل الْأَرْضَ قَرَارًا، وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا، وَجَعَلَ لَهُمْ فِيهَا مَنَازِلَ وَبُيُوتًا، وَأَبَاحَ مَنَافِعَهَا، وسَخَّر لَهُمُ السَّحَابَ لِإِخْرَاجِ أَرْزَاقِهِمْ مِنْهَا، وَجَعَلَ لَهُمْ فِيهَا مَعَايِشَ، أَيْ: مَكَاسِبَ وَأَسْبَابًا يَتَّجِرُونَ فِيهَا، وَيَتَسَبَّبُونَ أَنْوَاعَ الْأَسْبَابِ، وَأَكْثَرُهُمْ مَعَ هَذَا قَلِيلُ الشُّكْرِ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إِبْرَاهِيمَ: 34] .
وَقَدْ قَرَأَ الْجَمِيعُ: {مَعَايِش} بِلَا هَمْزٍ، إِلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُز الْأَعْرَجَ فَإِنَّهُ هَمَزَهَا. وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ بِلَا هَمْزٍ؛ لِأَنَّ مَعَايِشَ جَمْعُ مَعِيشَةٍ، مِنْ عَاشَ يَعِيشُ عَيْشًا، وَمَعِيشَةٌ أَصْلُهَا "مَعْيِشَة" فَاسْتُثْقِلَتِ الْكَسْرَةُ عَلَى الْيَاءِ، فَنُقِلَتْ إِلَى الْعَيْنِ فَصَارَتْ مَعِيشة، فَلَمَّا جُمِعَتْ رَجَعَتِ الْحَرَكَةُ إِلَى الْيَاءِ لِزَوَالِ الِاسْتِثْقَالِ، فَقِيلَ: مَعَايِشُ. وَوَزْنُهُ مَفَاعِلُ؛ لِأَنَّ الْيَاءَ أَصْلِيَّةٌ فِي الكلمة. بخلاف مدائن