وَالنَّصَارَى اخْتَلَفُوا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَفَرَّقُوا. فَلَمَّا بَعَثَ [اللَّهُ] (?) مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْزَلَ: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} الْآيَةَ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عَمْرو السَّكُونِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّة بْنُ الْوَلِيدِ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي لَيْث، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ فِي هَذِهِ الأمَّة {الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} وَلَيْسُوا مِنْكَ، هُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ، وَأَهْلُ الشُّبَهَاتِ، وَأَهْلُ الضَّلَالَةِ، مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ" (?) .

لَكِنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ عَبَّادَ بْنَ كَثِيرٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَخْتَلِقْ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَكِنَّهُ وَهَم فِي رَفْعِهِ. فَإِنَّهُ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ لَيْثٍ -وَهُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ -عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} قَالَ: نَزَلَتْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ.

وَقَالَ أَبُو غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، فِي قَوْلِهِ: { [إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ] وَكَانُوا شِيَعًا (?) } قَالَ: هُمُ الْخَوَارِجُ. وَرُوِي عَنْهُ مَرْفُوعًا، وَلَا يَصِحُّ.

وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ مُجالد، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شُرَيْح، عَنْ عُمْرَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (?) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} قَالَ: "هُمْ أَصْحَابُ الْبِدَعِ".

وَهَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيه، وَهُوَ غَرِيبٌ أَيْضًا (?) وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ فَارَقَ دِينَ اللَّهِ وَكَانَ مُخَالِفًا لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَشَرْعُهُ وَاحِدٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا افْتِرَاقَ، فَمَنِ اخْتَلَفَ فِيهِ {وَكَانُوا شِيَعًا} أَيْ: فِرَقًا كَأَهْلِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ -وَهِيَ الْأَهْوَاءُ وَالضَّلَالَاتُ -فَاللَّهُ (?) قَدْ بَرَّأ رَسُولَهُ مِمَّا هُمْ فِيهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ] } (?) الْآيَةَ [الشُّورَى:13] ، وَفِي الْحَدِيثِ: "نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أَوْلَادُ عَلات، دِينُنَا وَاحِدٌ".

فَهَذَا هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَهُوَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَالتَّمَسُّكِ بِشَرِيعَةِ الرَّسُولِ الْمُتَأَخِّرِ، وَمَا خَالَفَ ذَلِكَ فَضَلَالَاتٌ وَجَهَالَاتٌ وَآرَاءٌ وَأَهْوَاءٌ، الرُّسُلُ بُرآء مِنْهَا، كَمَا قَالَ: {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015