وَقَوْلُهُ: {مِنْ إِمْلاقٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ، والسُّدِّي: هُوَ الْفَقْرُ، أَيْ: وَلَا تَقْتُلُوهُمْ مِنْ فَقْرِكُمُ الْحَاصِلِ، وَقَالَ فِي سُورَةِ "سُبْحَانَ": {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الْإِسْرَاءِ:31] ، أَيْ: خَشْيَةَ (?) حُصُولِ فَقْرٍ، فِي الْآجِلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ هُنَاكَ: {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} فَبَدَأَ بِرِزْقِهِمْ لِلِاهْتِمَامِ بِهِمْ، أَيْ: لَا تَخَافُوا مِنْ فَقْرِكُمْ بِسَبَبِهِمْ، فَرِزْقُهُمْ عَلَى اللَّهِ. وَأَمَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَلَمَّا كَانَ الْفَقْرُ حَاصِلًا قَالَ: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} ؛ لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ هَاهُنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الْأَعْرَافِ:33] . وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي قَوْلِهِ: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الْأَنْعَامِ:12] .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ ابْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا أحد أغْيَر من اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّم الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَر مِنْهَا وَمَا بَطنَ" (?) .
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْر، عَنْ وَرّاد، عَنْ مَوْلَاهُ الْمُغَيَّرَةِ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَح. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ! فَوَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْ سَعْدٍ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرّم الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن". أَخْرَجَاهُ (?) .
وَقَالَ كَامِلٌ أَبُو الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا (?) . نَغَارُ. قَالَ: "وَاللَّهِ إِنِّي لَأَغَارُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ غَيْرَتِهِ نَهَى عَنِ الْفَوَاحِشِ" (?) .
رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيه، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ التِّرْمِذِيِّ، فَقَدْ رُوِيَ بِهَذَا السَّنَدِ: "أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ" (?) .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} وَهَذَا مِمَّا نَصَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ تَأْكِيدًا، وَإِلَّا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي النَّهْيِ عَنِ الْفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، فَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ ابْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" (?) .