فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ عَبَّاسٍ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ [بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ] } (?) هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ مِنَ اللَّهِ وَتَهْدِيدٌ أَكِيدٌ، لِمَنْ تَكَبَّرَ عن اتباع رسله والانقياد لهم (?) فيما جاؤوا بِهِ، فَإِنَّهُ سَيُصِيبُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ {صَغَارٌ} وَهُوَ الذِّلَّةُ الدَّائِمَةُ، لَمَّا (?) أَنَّهُمُ اسْتَكْبَرُوا أَعْقَبَهُمْ ذَلِكَ ذُلا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غَافِرٍ: 60] أَيْ: صَاغِرِينَ ذَلِيلِينَ حَقِيرِينَ.
وَقَوْلُهُ: {وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ} لَمَّا كَانَ الْمَكْرُ غَالِبًا إِنَّمَا يَكُونُ خَفِيًّا، وَهُوَ التَّلَطُّفُ فِي التَّحَيُّلِ وَالْخَدِيعَةِ، قُوبِلُوا بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ جَزَاءً وِفَاقًا، {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الْكَهْفِ: 49] ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطَّارِقِ: 9] أَيْ: تَظْهَرُ الْمُسْتَتِرَاتُ وَالْمَكْنُونَاتُ وَالضَّمَائِرُ. وَجَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "يُنْصَب لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسُتِه يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرة فَلَانٍ ابْنِ فُلَانٍ" (?) .
وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَدْرُ خَفِيَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَصِيرُ عَلَمًا مَنْشُورًا عَلَى صَاحِبِهِ بما فعل.