111

{وَلَوْ أَنَّنَا نزلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) }

يَقُولُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّنَا أَجَبْنَا سُؤَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ {لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا} فَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ، أَيْ: تُخْبِرُهُمْ بِالرِّسَالَةِ مِنَ اللَّهِ بِتَصْدِيقِ الرُّسُلِ، كَمَا سَأَلُوا فَقَالُوا: {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا} [الْإِسْرَاءِ: 92] {قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} [الْأَنْعَامِ: 124] ، {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزلَ (?) عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الْفُرْقَانِ: 21] .

{وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى} أَيْ: فَأَخْبَرُوهُمْ بِصِدْقِ مَا جَاءَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ، {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا} -قَرَأَ بَعْضُهُمْ: "قِبَلا" بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، مِنَ الْمُقَابَلَةِ، وَالْمُعَايَنَةِ. وَقَرَأَ آخَرُونَ (?) [وَقُبُلَا] (?) بِضَمِّهِمَا (?) قِيلَ: مَعْنَاهُ مِنَ الْمُقَابَلَةِ وَالْمُعَايَنَةِ أَيْضًا، كَمَا رَوَاهُ (?) عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَالْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عباس. وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {قُبُلا} أَفْوَاجًا، قُبَيْلًا قُبَيْلًا أَيْ: تُعْرَضُ عَلَيْهِمْ كُلُّ أُمَّةٍ بَعْدَ أمة (?) فتخبرهم بصدق الرسل فيما جاؤوهم بِهِ {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} أَيْ: إِنَّ الْهِدَايَةَ إِلَيْهِ، لَا إِلَيْهِمْ. بَلْ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَهُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، لِعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَسُلْطَانِهِ وَقَهْرِهِ وَغَلَبَتِهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ} [يُونُسَ: 96، 97] .

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) }

يَقُولُ تَعَالَى: وَكَمَا جَعَلْنَا لَكَ -يَا مُحَمَّدُ -أَعْدَاءً يُخَالِفُونَكَ، وَيُعَادُونَكَ (?) جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ مِنْ قَبْلِكَ أَيْضًا أَعْدَاءً فَلَا يَهِيدنَّك ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} [آلِ عِمْرَانَ: 184] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا [حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا] (?) } [الْأَنْعَامِ: 34] ، وَقَالَ تَعَالَى: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} [فُصِّلَتْ: 43] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ [وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا] (?) } [الفرقان: 43] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015