التَّبَرِّيَ مِنَ النَّصَارَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ، وَعَلَى رَسُولِهِ، وَجَعَلُوا لِلَّهِ نِدًّا وَصَاحِبَةً وَوَلَدًا، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًا كَبِيرًا، وَهَذِهِ الْآيَةُ لَهَا شَأْنٌ (?) عَظِيمٌ وَنَبَأٌ عَجِيبٌ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (?) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ بِهَا لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ يُرَدِّدُهَا.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْل، حَدَّثَنِي فُليَت الْعَامِرِيُّ، عَنْ جَسْرة الْعَامِرِيَّةِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-لَيْلَةً فَقَرَأَ بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ، يَرْكَعُ بِهَا وَيَسْجُدُ بِهَا: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فَلَمَّا أَصْبَحَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا زِلْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ حَتَّى أَصْبَحْتَ تَرْكَعُ بِهَا وَتَسْجُدُ بِهَا؟ قَالَ: "إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، الشَّفَاعَةَ لِأُمَّتِي، فَأَعْطَانِيهَا، وَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا". (?)
طَرِيقٌ أُخْرَى وَسِيَاقٌ آخَرُ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا قُدَامة بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَتْنِي جَسْرة بِنْتُ دَجَاجَةَ: أَنَّهَا انْطَلَقَتْ مُعْتَمِرَةً، فَانْتَهَتْ إِلَى الرَّبَذَةِ، فَسَمِعَتْ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ، فَصَلَّى بِالْقَوْمِ، ثُمَّ تَخَلَّفَ أَصْحَابٌ لَهُ يُصَلُّونَ، فَلَمَّا رَأَى قِيَامَهُمْ وَتَخَلُّفَهُمُ انْصَرَفَ إِلَى رَحْلِهِ، فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمَ قَدْ أَخْلَوُا الْمَكَانَ رَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَصَلَّى، فَجِئْتُ فَقُمْتُ خَلْفَهُ، فَأَوْمَأَ إليَّ بِيَمِينِهِ، فَقُمْتُ عَنْ يَمِينِهِ. ثُمَّ جَاءَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَامَ خَلْفِي وَخَلْفَهُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ بِشَمَالِهِ، فَقَامَ عَنْ شِمَالِهِ، فَقُمْنَا ثَلَاثَتُنَا يُصَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِنَفْسِهِ، وَيَتْلُو مِنَ الْقُرْآنِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتْلُوَ. وَقَامَ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ يُرَدِّدُهَا حَتَّى صَلَّى الْغَدَاةَ. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أَوْمَأْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنْ سَلْهُ مَا أَرَادَ إِلَى مَا صَنَعَ الْبَارِحَةَ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِيَدِهِ: لَا أَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى يُحَدِّثَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، قُمْتَ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَمَعَكَ الْقُرْآنُ، لَوْ فَعَلَ هَذَا بَعْضُنَا لَوَجَدْنَا عَلَيْهِ، قَالَ: "دَعَوْتُ لِأُمَّتِي". قُلْتُ: فَمَاذَا أَجِبْتَ؟ -أَوْ مَاذَا رُدَّ عَلَيْكَ؟ -قَالَ: "أُجِبْتُ بِالَّذِي لَوِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ طلْعة تَرَكُوا الصَّلَاةَ". قُلْتُ: أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: "بَلَى". فانطلقتُ مُعْنقًا قَرِيبًا مِنْ قَذْفة بِحَجَرٍ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ إِنْ تَبْعَثْ إِلَى النَّاسِ بِهَذَا نَكَلوا عَنِ الْعِبَادَةِ. فَنَادَاهُ أَنِ ارْجِعْ فَرَجَعَ، وَتِلْكَ الْآيَةُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (?)
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْب، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ عِيسَى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أُمَّتِي". وَبَكَى، فَقَالَ اللَّهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ -وَرَبُّكَ أَعْلَمُ-فَاسْأَلْهُ: مَا يُبْكِيهِ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، فَقَالَ اللَّهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: