دِينِهِمَا، فَيَحْلِفَانِ: بِاللَّهِ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ: أَنَّ صَاحِبَهُمْ لَبِهَذَا أَوْصَى، وَأَنَّ هَذِهِ لَتَرِكَتُهُ. فَيَقُولُ لَهُمَا الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَا: إِنَّكُمَا إِنْ كَتَمْتُمَا أَوْ خُنْتُما فَضَحْتُكُما فِي قَوْمِكُمَا، وَلَمْ تَجُزْ لَكُمَا شَهَادَةٌ، وَعَاقَبْتُكُمَا. فَإِذَا قَالَ لَهُمَا ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ. (?)
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا هُشيْم، أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُمَا قَالَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} الْآيَةَ، قَالَا إِذَا حَضَرَ الرَّجُلَ الْوَفَاةُ فِي سَفَرٍ، فَلْيُشْهِدْ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَرَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِذَا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ، فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْوَرَثَةُ قُبل قَوْلُهُمَا، وَإِنِ اتَّهَمُوهُمَا أُحْلِفَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ: بِاللَّهِ مَا كَتَمْنَا وَلَا كَذَبْنَا وَلَا خُنَّا وَلَا غَيَّرنا.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: فَإِنِ ارْتِيبَ فِي شَهَادَتِهِمَا اسْتَحْلَفَا بَعْدَ الصَّلَاةِ بِاللَّهِ: مَا اشْتَرَيْنَا بِشَهَادَتِنَا ثَمَنًا قَلِيلًا. فَإِنِ اطَّلَعَ الْأَوْلِيَاءُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَيْنِ كَذَبَا فِي شَهَادَتِهِمَا، قَامَ رَجُلَانِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ فَحَلَفَا بِاللَّهِ: أَنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرَيْنِ بَاطِلَةٌ، وَإِنَّا لَمْ نَعْتَدِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} يَقُولُ: إِنِ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَيْنِ كَذَبَا {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا} يَقُولُ: مِنَ الْأَوْلِيَاءِ، فَحَلَفَا بِاللَّهِ: أَنَّ شَهَادَةَ الكافرين باطلة، وإنا لم نعتد، فترد شَهَادَةَ الكافرَيْن، وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَوْلِيَاءِ.
وَهَكَذَا رَوَى العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. رَوَاهُمَا ابْنُ جَرِيرٍ.
وَهَكَذَا قَرَّر (?) هَذَا الْحُكْمَ عَلَى مُقْتَضَى هَذِهِ الْآيَةِ غيرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينِ وَالسَّلَفِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} أَيْ: شَرْعِيَّةُ هَذَا الْحُكْمِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَرْضِيِّ مِنْ تَحْلِيفِ الشَّاهِدَيْنِ الذِّمِّيَّيْنِ وَقَدِ اسْتُرِيبَ بِهِمَا، أَقْرَبُ إِلَى إِقَامَتِهِمَا الشَّهَادَةَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْضِيِّ.
وَقَوْلُهُ: {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} أَيْ: يَكُونُ الْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَةِ (?) عَلَى وَجْهِهَا، هُوَ تَعْظِيمُ الْحَلِفِ بِاللَّهِ وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ وَإِجْلَالُهُ، وَالْخَوْفُ مِنَ الْفَضِيحَةِ بَيْنَ النَّاسِ إِذَا رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَى الْوَرَثَةِ، فَيَحْلِفُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ (?) مَا يَدْعُونَ، وَلِهَذَا قَالَ: {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ}