فِيهَا، وَلَا يُخْتَلَفُ فِي قَتْلِهَا. (?)
وَمِنَ الْعُلَمَاءِ -كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ-مَنْ أَلْحَقَ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبَ، والسَّبْعُ، والنِّمْر، والفَهْد؛ لِأَنَّهَا أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْهُ فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الْكَلْبُ الْعَقُورُ يَشْمَلُ هَذِهِ السِّبَاعَ الْعَادِيَةَ كُلَّهَا. وَاسْتَأْنَسَ مَنْ قَالَ بِهَذَا بِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَعَا عَلَى عُتْبَةَ (?) بْنِ أَبِي لَهَبٍ قَالَ: "اللَّهُمَّ سَلِّط عَلَيْهِ (?) كَلْبَكَ بِالشَّامِ" (?) فَأَكَلَهُ السَّبُعُ بِالزَّرْقَاءِ، قَالُوا: فَإِنْ قَتَلَ مَا عَدَاهُنَّ فَدَاها كَالضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ وَهِرِّ الْبَرِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صِغَارُ هَذِهِ الْخَمْسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، وَصِغَارُ الْمُلْحَقِ بِهَا مِنَ السِّبَاعِ الْعَوَادِي.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ [رَحِمَهُ اللَّهُ] (?) يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُ كُلِّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ صِغَارِهِ وَكِبَارِهِ. وَجَعَلَ الْعِلَّةَ الْجَامِعَةَ كَوْنَهَا لَا تُؤْكَلُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَقْتُلُ الْمَحْرِمُ الْكَلْبَ الْعَقُورَ وَالذِّئْبَ؛ لِأَنَّهُ كَلْبٌ بَرِّيٌّ، فَإِنْ قَتَلَ غَيْرَهُمَا فَدَاه، إِلَّا أَنْ يَصُولَ عَلَيْهِ سَبُعٌ غَيْرُهُمَا فَيَقْتُلُهُ فَلَا فِدَاءَ عَلَيْهِ. وَهَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حُيَيٍّ.
وَقَالَ زُفَر بْنُ الْهُذَيْلِ: يَفْدِي مَا سِوَى ذَلِكَ وَإِنْ صَالَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْمُرَادُ بِالْغُرَابِ هَاهُنَا الْأَبْقَعُ (?) وَهُوَ الَّذِي فِي بَطْنِهِ وَظَهْرِهِ بَيَاضٌ، دُونَ الْأَدْرَعِ وَهُوَ الْأَسْوَدُ، وَالْأَعْصَمِ وَهُوَ الْأَبْيَضُ؛ لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الفَلاس، عَنْ يَحْيَى القَطَّان، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خَمْسٌ يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ: الْحَيَّةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ".
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ؛ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ إِطْلَاقِ لَفْظِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ، رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَقْتُلُ الْمَحْرِمُ الْغُرَابَ إِلَّا إِذَا صَالَ عَلَيْهِ وَآذَاهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدُ بْنُ جَبْر وَطَائِفَةٌ: لَا يَقْتُلُهُ بَلْ يَرْمِيهِ. وَيُرْوَى مَثَلُهُ عَنْ عَلِيٍّ.
وَقَدْ رَوَى هُشَيْم: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْم، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ، فَقَالَ: "الْحَيَّةَ، وَالْعَقْرَبَ، والفُوَيْسِقَة، وَيَرْمِي الْغُرَابَ وَلَا يَقْتُلُهُ، وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ، وَالْحِدَأَةَ، وَالسَّبُعَ العادي".